جمعية الصعيد: إلى أي وجهة تذهب؟

جمعية الصعيد: إلى أي وجهة تذهب؟

منذ أيام طالعت إعلاناً في جريدة الأهرام تعلن فيه جمعية الصعيد عن بيع جزء من أصولها عبارة عن قطعة أرض في البياضية بالمنيا، وهو أمر جلل إذا علمنا أن أزمة الجمعية في السابق والتي نتج عنها مخالفات جسيمة سبق ان كتبت عنها هنا على صفحات روزاليوسف منذ ربع قرن، كانت في فائض التبرعات الخارجية التي مثلت أضعاف مصروفاتها الحقيقية، في حين نجد الجمعية الآن في حيرة لتدبير مرتبات موظفيها، رغم أن مدارس الجمعية في السابق كانت مجانية، وكان الهدف الأساسي منها تقديم تعليم راق مجاناً لأبناء مدن وقرى الصعيد، أما الآن فهي بمصروفات رغم أن هيئات في فرنسا والمانياً تقدم دعماً مالياً يغطي بالكامل تكاليف تعليم جزء كبير من الطلبة بينما الطلبة المعفيين من المصروفات أو الذين يحوزون على تخفيض من غير القادرين لا يتجاوز 10 % من إجمالي الطلبة.

ما يحدث الآن في جمعية الصعيد يكشف عن سوء إدارة واضح، فهذه الجمعية التي كانت منارة تعليمية وصاحبة السبق الأول في تقديم تعليم خاص مجاني بقرى الصعيد أصبحت الأولى التي تقدم التعليم بمصروفات في ذات القرى ولم يعد لغير القادرين فرصة للالتحاق بها لتضيع رسالتها الأساسية.المثير في الأمر أن الجمعية التي كانت تبني بين الحين والآخر مدرسة جديدة او تعيد تجديد مدارسها القديمة مع الالتزام بمجانية التعليم، الآن لا تبني مدارس جديدة بل تحصل على 30% من أرباح تلك المدارس نصفها تحت بند الأرباح والنصف الآخر نظير ايجار تلك المدارس، وفقاً لقوانين المدارس الخاصة الاستثمارية، في حين أن تلك المدارس التي تحصل منها على الأرباح والايجار مبنية بالتبرعات وليست أموالاً استثمارية.ملف الجمعية مليء بالتساؤلات، وكلها تصب في اتجاه واحد وهو سوء الإدارة ومنها مخالفات إدارية تسببت على سبيل المثال في غرامة مالية توازي تبرعات حصلت عليها من جهات تمويل خارجية دون ابلاغ وزارة التضامن والصادر بها حكم بات من محكمة النقض وهو خطأ لا يقع فيه أي مبتدئ في مجال العمل الأهلي، كما أنها مبالغ ضخمة باليورو واجب دفعها لصندوق إعانة الجمعيات الأهلية طبقاً لحكم المحكمة.الأمر الذي يطرح سؤالاً بالغ الأهمية، وهو هل مجلس الإدارة منصب للوجاهة أم أنه عمل تطوعي إذا فشل القائمون عليه فأنهم مطالبون بترك الموقع لغيرهم، وهذا يحيلنا بدوره إلى الجمعية العمومية وكيفية اختيار أعضائها وما هي معايير ومواصفات عضو الجمعية العمومية الذي يختار بدوره رئيس وأعضاء مجلس الإدارة ويراقب عملهم، فإذا علمنا أن تعيين عضو الجمعية العمومية يتم من خلال تزكية عضوين من مجلس الإدارة نجد أنفسنا في دائرة مفرغة لا نعلم من يختار من، وهل تحولت الجمعية العمومية إلى شبكة من الأقارب والأصدقاء، وهو ما يتنافى مع طبيعة العمل الأهلي؟ما تعانيه جمعية الصعيد الآن من تدهور مالي يستوجب وقفة جادة، كما أن انحراف الجمعية عن رسالتها الأساسية التي من أجلها تم تأسيسها وهي تقديم تعليم مجاني أمر يحولها إلى مجرد مدارس استثمارية وياليتها نجحت في ذلك.وإذا كانت الحجة في ضعف التبرعات الخارجية ــ وهي حجة محل نقاش وبحاجة لتوضيح ــ وإذا سلمنا جدلاً بصحة ذلك فأن الأمر لا يحمل تلك الجهات المانحة المسؤولية بل يحمل القائمين في الجمعية على ملف جذب التمويل الأجنبي المسؤولية الأساسية في أنهم أخفقوا في اقناع تلك الجهات برسالة الجمعية واهمية مدارسها، خصوصاً انه وفقاً للأوراق الرسمية في عهود سابقة تجاوز عدد الجهات المانحة للجمعية الثلاثين جهة أجنبية كانت تقدم بسخاء ليس فقط ما يلزم العملية التعليمية بل بناء المدارس والكثير من الأنشطة في عدد من الكنائس.وللحديث بقية إن شاء الله.