تحجيم الوصول أو تنقيح المحتوى؟

تحجيم الوصول أو تنقيح المحتوى؟

لنفكر للحظة. هل حجب موقع YouTube، Reddit أو حتى بعض خدمات Google Docs هو قرار منطقي في بيئة أكاديمية؟ بعض الجامعات تعتقد أن هذه المواقع تشتت الطلاب عن دراستهم، أو تحتوي على محتوى غير ملائم. وقد تبدو الحجة منطقية، لكنها تفتقر إلى التوازن.

مرشحات الإنترنت كثيرًا ما تُصمم بآلية بسيطة: قوائم سوداء لمواقع معينة، قائمة بيضاء لمواقع أخرى. وما بينهما… الفراغ. أي موقع غير معروف يتم حجبه تلقائيًا. النتيجة؟ طالب يحاول البحث عن ظاهرة علمية مرتبطة بثقافات معينة، يجد نفسه محظورًا من دخول مواقع تناقش الموضوع لأسباب تصنيفية خاطئة.
إن مفهوم internet filtering in education لا بد أن يُعاد النظر فيه. لأنه إن كان الهدف هو “تهذيب المحتوى”، فإن الحل لا يكون بالمنع، بل بالتوعية، بالمرافقة الرقمية، وبالرقابة المرنة لا الصلبة.ما يقوله الطلاب: تجارب من أرض الواقع
“كنت أبحث عن مقالات أكاديمية حول حقوق الإنسان، وتم حجب 3 مواقع رئيسية في الجامعة التي أدرس فيها”، هكذا قال كريم، طالب حقوق في جامعة عربية. وأضاف: “لولا استخدام VPN من VeePN ، لما استطعت إنهاء بحثي”.
كريم ليس وحده. في استبيان صغير غير رسمي شمل 200 طالبًا من جامعات مختلفة، قال 73% منهم إنهم يستخدمون VPN على الأقل مرة أسبوعيًا لكسر حواجز التصفّح الجامعي. وهذا يُظهر حجم الفجوة بين السياسات الإدارية الجامعية واحتياجات الطلاب الحقيقية.
الجانب النفسي والتربوي للرقابة الرقمية
تأثير تقييد الإنترنت لا يتوقف عند حدود التصفّح. فهناك شعور دائم لدى الطلاب بأنهم “مراقبون”، حتى في بحثهم عن موضوعات علمية. هذا يولّد رقابة ذاتية، تجعل الطالب يتردد في استكشاف قضايا جريئة أو حساسة.
أساتذة كثر لاحظوا هذا السلوك، إذ انخفضت جودة النقاشات الصفية حول موضوعات سياسية أو اجتماعية بعد تطبيق مرشحات صارمة على الشبكة الجامعية. “الطلاب لم يعودوا يسألون أسئلة خطرة” تقول دكتورة فاطمة، أستاذة الفلسفة، “وكأن الإنترنت أصبح أداة لضبط الفكر بدلًا من تحريره”.هل هناك حلول وسط؟
نعم. لا يجب أن يكون النقاش ثنائيًا بين الحظر الكامل أو الحرية المطلقة. يمكن التفكير بحلول ذكية، مثل:
• تقديم مرشحات قابلة للتعديل بناءً على التخصص. طلاب الطب لهم احتياجات رقمية تختلف عن طلاب الإعلام.
• تطبيق فترات تصفح مرنة خلال اليوم تُرفع فيها بعض القيود.
• نشر ثقافة الأمن الرقمي بدلاً من فرضه، وتقديم ورش عمل توعوية للطلاب.
• إتاحة استخدام VPN بشروط واضحة لضمان الحماية دون الإضرار بالشبكة.الخلاصة: حرية المعلومات أم حرية التقييد؟
الجامعات ليست فقط مبانٍ ومدرجات، بل هي مختبرات فكرية. وإن لم يتمكّن الطالب من الوصول إلى المعلومات التي تحرّك عقله وتشكّل وعيه، فكيف ننتظر منه أن يكون باحثًا أو مفكرًا حرًا؟
الرقابة الرقمية، رغم نواياها الحميدة أحيانًا، قد تنقلب إلى قيد على الإبداع. لذلك، فإن إعادة النظر في سياسات student internet access باتت ضرورية، خصوصًا في ظل عالم يتغير بسرعة أكبر من قدرة المرشحات على مواكبته.
الحرية الرقمية، إن نُظمت بعقلانية، تُصبح رافعة للتعليم لا عبئًا عليه. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستُعيد الجامعات التفكير؟ أم ستواصل اختزال الإنترنت إلى “نسخة مصغّرة” لا تُناسب إلا معاييرها الضيقة؟تسجيلي