شحاتة زكريا يتناول: من يحدد النهاية بين إيران وإسرائيل؟

شحاتة زكريا يتناول: من يحدد النهاية بين إيران وإسرائيل؟

ليست الحرب الدائرة الآن بين إيران وإسرائيل مجرد تطور مفاجئ بل هي لحظة انفجار لحرب كانت تُخاض منذ سنوات في الظل. صراع طويل لا يُقاس فقط بعدد الطائرات والصواريخ بل يُقاس بطول النفس، وبالقدرة على المناورة، وبامتلاك أدوات الحرب وأوراق السياسة معا. وما يحدث اليوم ليس بداية بل ذروة. ذروة انكشاف كل ما كان يُدار خلف الستار وانفلات لكل ما كان يُدار بالرمز والتلميح.

 إيران الدولة التي لطالما وُصفت بأنها تعيش على حافة الخطر خرجت من تحت الرماد. لم تعد تراهن فقط على أذرعها الممتدة في المنطقة، بل باتت ترى أن لحظة المواجهة المباشرة قد حانت. تل أبيب تقصف، وطهران ترد، والصواريخ تتطاير فوق العواصم والرهان الأكبر: من يصرخ أولا؟ من ينكسر قبل الآخر؟ ومن يُجبر العالم على الجلوس إلى مائدة شروطه؟ في المقابل إسرائيل التي كانت تملك زمام المبادرة دومًا تبدو الآن وكأنها تلهث خلف ما تفقده. صورتها الذهنية كدولة لا تُهزم تصدّعت. وهيلمان الردع المطلق انكسر تحت صواريخ غزة وطعنات 7 أكتوبر وتكشّف أكثر مع ارتباك مؤسساتها الأمنية والسياسية. الحرب التي كانت تخوضها في الخفاء أصبحت عبئا في العلن وأصبح عليها أن تُدافع عن جبهاتها كلها دفعة واحدة، من لبنان إلى اليمن، ومن إيران إلى الداخل. تخوض طهران المعركة بنَفَس طويل. تعرف أن الزمن في صالحها ما دامت تضرب ثم تختفي، تلوّح ثم تتراجع، تراكم الخوف وتدير الفوضى حتى تُهلك خصمها دون أن تدخل إلى قلب الميدان. هذا ليس ضعفا بل ذكاء استراتيجي يعرف كيف يُربك ويُنهك. وفي هذا الأسلوب من الصراع لا تحتاج إيران إلى نصر كامل بل إلى أن تمنع إسرائيل من إعلان نصر حاسم. يكفيها أن تظل موجودة، أن تظل خطرة، أن تظل قادرة على الرد. في عالم السياسة هذا وحده يُعد نصرا. أما إسرائيل فإنها في مأزق أكبر مما يبدو. لا حرب شاملة تستطيع كسبها ولا سلم ممكن يمكنها تحمّله. داخليا منقسمة وخارجيا محاصرة ودوليا تخسر تعاطفا أخلاقيا كانت تعتمد عليه طويلا. صورة الجيش الأقوى تتآكل والدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط أصبحت أقرب إلى سلطة ترتبك أمام احتجاج الداخل وتتصادم مع الخارج. المعركة لا تقتصر على السلاح. إنها معركة رواية ومعركة وعي ومعركة صورة. من يظهر للعالم كضحية ومن يبدو كغاز؟ من يستدرج الموقف الدولي إلى جانبه ومن يتورط أكثر كلما ضغط الزناد؟ هنا تتفوق إيران مرة وتتراجع مرة. وهنا تسقط إسرائيل في الفخاخ التي كانت هي من صمّمها لغيرها. اللافت أن الجميع يعلم أن الحرب لا منتصر فيها. كل طرف يعرف أن الخطوة التالية قد تكون الأخيرة. لكن أحدا لا يريد التراجع. كأن الشرق الأوسط ساحة يلعب فيها الكبار لعبة الموت بلا توقف وكأن أحدا يصر على أن يكتب فصلا أخيرا لا يشبه النهايات بل يشبه الانفجار. من يكتب الفصل الأخير؟ ربما لا أحد. ربما الكل يحاول أن ينجو من سطور تُكتب بالدم. لكن المؤكد أن من يُجيد قراءة التاريخ يدرك أن كل حرب تصل إلى لحظة يتساوى فيها الخسار مع المنتصر.ويختلط فيها البارود بالدبلوماسية والدم بالبيانات الصحفية. آنذاك لا يبقى سوى سؤال واحد: لماذا بدأت الحرب أصلا؟ وماذا لو لم يكن أحد قادرا على إنهائها؟ ما يجري الآن ليس مجرد تصعيد. إنه اختبار نهائي لحدود القوة وحدود الصبر وحدود الحكمة. وقد يكون الجواب الحقيقي عن سؤال: من يكتب الفصل الأخير؟… هو: من يعرف متى يُسدل الستار قبل أن يحترق المسرح كله.