الأغبياء بلا منازع

أجزم أن ترامب ونتنياهو يفتقدان لأدنى درجات الوعي السياسي، وأنهما وشركاء أوروبيين، ورّطا إسرائيل في مأزق أقرب للانتحار، قد يهوي بالدولة الصهيونية لمصير لم يذهب إليه أشد الكارهين، بعد الاقدام على حرب غير محسوبة العواقب مع إيران.
فبالعودة لأيام قليلة قبل الضربة الإسرائيلية على طهران، نستطيع أن نكتشف بسهولة، مدى العته والغباء السياسي الذي يتمتع به عدد من قادة العالم، وتحديدا حيمنا احتضنت إحدى قاعات مجلس الأمن الدولي، اجتماعًا سريًا مغلقًا ضم مسؤولين رفيعي المستوى من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، لمناقشة خطر البرنامج النووي الإيراني، وكيفية كبح جماح الطموح العسكري للنظام الحاكم في طهران.الاجتماع السري الذي عُقد داخل المنظمة المعنية بفض النزاعات في العالم، وتجاهلت وسائل الإعلام العالمية الخوض في تفاصيله الكارثية، لم يغب عنه التواصل مع قيادات الدول الأربع، وخرج في نهايته برسالة تهديد شديدة الخطورة، مصحوبة بثلاثة شروط قاسية للغاية، تخيّر طهران صراحة بين الخضوع لرغبة ترامب ونتنياهو، أو مواجهة حرب شعواء، تطال كل شبر في إيران.الشروط المتطرفة التي جاءت بمثابة أومر فوقية لإيران تضمنت، أولًا “تفكيك البرنامج النووي بشكل كامل، وتسليم كل ما لدى طهران من يورانيوم مخصب”، ثانيًا “تفكيك البرنامج الصاروخي الإيراني كاملًا، والامتناع عن إنتاج أية صواريخ باليستية أو فرط صوتية أو غيرها”، ثالثًا “التوقف بشكل تام عن تقديم الدعم للفصائل المسلحة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها حماس والحوثيون وحزب الله والحشد الشعبي”. المذهل أن الدول الأربع اختارت الإمارات العربية لتسليم الرسالة إلى طهران، وحملها فعليًا أنور قرقاش مستشار الرئيس محمد بن زايد، واجتمع بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي رفض بشكل قاطع الشروط الأمريكية الأوروبية، بل وحمّل قرقاش ردًا أشد قسوة، مفاده “أن إيران لن تسمح بأساليب التهديد، ولن تعود للمفاوضات تحت الضغط”.الأوامر المستفزة دفعت المرشد الإيراني علي خامنئي للخروج ومهاجمة ترامب علنًا – دون الكشف عن مضمون الرسالة – مؤكدًا أن “طهران لا تثق فيه، وأن حديثه عن السلام مجرد مخطط لتركيع إيران”، بل وسارع بإجراء اتصالات مع روسيا والصين، أسفرت عن عقد اجتماع ثلاثي طارئ بالعاصمة الصينية بكين، قبل ساعات من الضربة الإسرائيلية، خرج بتعهدات روسية صينية بمساندة طهران علنًا في حالة التدخل الأمريكي المباشر.الواقع على الأرض يقول إن النظام الفارسي لم يكن على مستوى خطورة الحدث قبل وخلال الساعات الأولى من الحرب، بعد أن ثبت أنه مخترق استخباراتيًا بجدارة، وفشل في تأمين حدوده، مما مكن تل أبيب من اختراق الداخل بسهولة، واغتيال قادة وعلماء وقصف منشآت حساسة، ومنح نتنياهو شعورًا بقرب تحقيق هدفه الأكبر بتفجير الداخل الإيراني وإسقاط النظام. كما أن الواقع يؤكد أيضًا، أن العودة الإيرانية السريعة قد وضعت ترامب ونتنياهو وحلفائهما في ورطة، لا سيما وأن ردها في الداخل الإسرائيلي جاء موجعًا للغاية، ويؤكد على حقيقة مفادها، أنه مهما وصلت درجات التصعيد الأمريكي الإسرائيلي فلن ينجح سوى في أكثر من تأخير البرنامج النووي الإيراني، وليس القضاء عليه، لا لشيء سوى أنه بات لدى الإيرانيين بمثابة “عقيدة” على أساسها شيدت استراتيجية نووية سيتم إنجازها مهما طال الأمد. المؤسف أن ترامب ونتنياهو وحلفاءهما قد غاب عنهم أن التهليل والتسويق لاغتيال 14 عالمًا نوويًا إيرانيًا، لا يعد أكثر من وهم، لأنه العقل يؤكد أن سقوط ضعف هذا العدد لن يؤثر على برنامج دولة تمتلك -وفق الأرقام الرسمية- نحو 35 ألف عالم نووي، بل إن استمرار الاغتيالات وضرب المنشآت النووية، لن يزيد الإيرانيين إلا عزيمة وتسريعًا لبرنامجهم النووي، والوصول إلى القنبلة التي يخشاها الكيان الصهيوني. الثابت أن النتائج الكارثية للغباء السياسي والانزلاق للحرب، قد وضع كل الأطراف في موقف لا يحسدون عليه، في ظل رعب ودمار وسيناريو غير محسوب العواقب، تحاول خلاله إسرائيل فرض تفوق الردع عبر سلاح الجو، وردود إيرانية موجعة لمعادلة الردع المضاد، عبر صواريخ باليستية وفرط صوتية، وسط معلومات مؤلمة لترامب ونتنياهو، تتحدث عن نجاح طهران في تخزين نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسب تلبي طموحها العسكري.وليظل سيناريو الحرب الكارثية مفتوحًا على كل الاحتمالات، بأيدي الأغبياء.. وكفى.