د. حسام الإمام يكتب: ما حدث فعلاً.. اشكروا الله على كل شيء

احمدوا الله على كل شيء.
احمدوه واستمتعوا بحظكم من المال والعيال.وإن لم يكن لكم حظ في مال أو عيال استمتعوا أيضًا، واعلموا أن كل قدر الله خير. استمتعوا بالصحة والعافية إن كانت هي قدركم ونصيبكم في هذه الدنيا، واعلموا أنها الخير كل الخير. استمتعوا بهدوء النفس وراحة البال فهذا والله هو كل الرجاء. احمدوا الله على كل شيء مهما بدا لكم بسيطًا، فقد يكون بالنسبة للكثيرين- رغم بساطته- حلمًا يصعب بل ربما يستحيل تحققه. في إحدى سفرياته لحضور إحدى الفعاليات، وجد صديقنا أن اللجنة المنظمة قد استأجرت مكانًا يتسع لجميع المشاركين، يحوي غرفًا لا هي بالصغيرة ولا الكبيرة، لم تكن على نفس الدرجة من الفخامة كتلك الغرف التي اعتاد ارتيادها في الفنادق الكبرى. لكنها رغم ذلك كانت تحوي كافة الاحتياجات الأساسية التي يمكن أن يحتاجها المرء للمعيشة، وكانت الإقامة جيدة والطعام صحيا وجيدًا. بالنسبة له كان الأمر بشكل عام مرضيًا تمامًا، لكنه فوجئ بعد مرور يوم واحد بأصوات عالية تملأ المكان، وعندما تبين الأمر عرف أن بعض الزملاء المشاركين يصيحون منددين بمستوى المكان الذي لا يليق بهم، والطعام الذي لا يتناسب مع أذواقهم الرفيعة! على الرغم من كفاية المكان تمامًا للغرض الذي حضروا من أجله. ورغم معرفته القوية بهم جميعًا، لكنهم أشعروه بحديثهم و”ألاطتهم” أنهم قد وصلوا للتو على طبق طائر من عالم آخر! وعلى نقيض ذلك تمامًا، رأى في الجوار مجموعة أخرى تقيم في نفس المكان، رأى رجالًا يرتدون الجلباب البلدي يتحركون هنا وهناك، ولما سأل واستفسر علم أنهم مجموعة من العمال استضافهم المكان لبضعة أيام لغرض ما. كانت البساطة أهم ما يميزهم ويلفت إليهم الأنظار، ظهرت تلك البساطة واضحة ليس فقط في تعاملهم مع بعضهم البعض ولكن أيضًا في تعاملهم مع كل من حولهم بمنتهى العفوية والتلقائية. كانت تملأ عيونهم فرحة غريبة تجذب العين إليها جذبًا، تشبه فرحة الطفل بملابس العيد الجديدة، وتجبرك على التجاوب معها “والطبطبة” عليهم لتكتمل سعادتهم. في أحد الأيام وصل إلى أذنه صوت أحدهم وقد أدار كاميرا الموبايل لترى زوجته حمام السباحة الذي ينعم به طول فترة إقامته! وكان واضحًا أنه لا يجيد السباحة وأنها تخشى عليه وتحذره منه بشدة من كثرة تكراره لكلمة “لا تخافي، مش غويط والله”. زميل آخر جاءه صوته، وأكرر عبارة “جاءه صوته” من فرط علو أصواتهم وكأنهم يخبرون العالم أجمع بما هم فيه من سعادة. كان يتحدث في التليفون ليخبر أحد أصدقائه بالنعيم الذي يعيش فيه، فهو يقيم في غرفة مستقلة خصصوها له وحده! الغريب أنه كرر عبارة أن له غرفة مستقلة “له وحده” عشرات المرات خلال المكالمة! ليس ذلك فقط، فها هو يؤكد ويقسم بكافة الأيمان لصديقه على الجانب الآخر أن الغرفة فيها مرتبة وثلاجة، وكأن صديقه لا يصدقه.. وكيف يصدقه؟ من أين له هذا النعيم.. ولماذا؟ ويا ليت الأمر اقتصر على ذلك، يبدو أنه أراد أن يحطم أعصاب صديقه وربما يفقده الوعي، فأخبره بأنهم يقدمون له كل يوم ثلاث وجبات كاملة، وكل يوم يأكل فراخ أو لحمة! لو كان هذا الحديث في تلك الأيام لما تعجبنا فقد أصبحت “الفراخ واللحمة” نوعًا من أنواع الترف للكثيرين، ولا نستثني أنفسنا منهم. لكن في ذلك الوقت لم تكن الأمور قد سارت على هذا اللحم، عفوًا أقصد على هذا النحو. لذلك كان حال هؤلاء الرجال وحياتهم مثيرًا للتساؤل، فالوضع في المكان ليس فاخرًا ولا فخمًا لتلك الدرجة، ليس عيبًا فيه ولكنه معد للوفاء بالاحتياجات الأساسية فقط. فما بال هؤلاء وقد أخذت كل تفاصيل المكان بعقولهم إلى هذا الحد! كيف هي حياتهم وعيشتهم التي جعلت من هذا المكان البسيط حلمًا عاشوا فيه وربما أرادوا ألا يستيقظوا منه أبدًا. في أحد الأيام اجتمع بعضهم في الغرفة الملاصقة لغرفته وكان صوتهم عاليًا بشكل رهيب، وبمنتهى التلقائية تركوا باب غرفتهم مفتوحًا، فأصبح يتلقى أصواتهم وضحكاتهم الجامحة غير العابئة بأي شيء، بشكل مباشر ومزعج. حاول أن ينبههم إلى ذلك دون أن يتـحدث إليهم حتى لا يقطع عليهم صفوهم، فقام بفتح باب حجرته ثم أغلقه بشدة حتى ينتبهوا إلى أن هناك جيرانًا لهم يريدون الراحة. ويبدو أن جاره في تلك الغرفة اسمه علاء، ففي الصباح الباكر فوجئ بأحد زملاء علاء وقد ضل غرفة صديقه، فجاء يطرق باب حجرته بمنتهى العنف صارخًا: علاء.. اصحى يا علاء.. اصحى الفطور هيخلص يا علاء. انتفض من نومه مرتعبًا من صراخ الرجل، ولما أنصت لم يجد صوتًا فظنه كابوسًا مزعجًا، وما أن وضع رأسه على الوسادة ليعاود النوم إلا وعاد الخبط والصراخ أعنف من المرة الأولى: اصحى يا علاء الفطور هيخلص يا علاء، قوم يا علاء… فصرخ بأعلى صوته: اقسم بالله أنا مش علاء.. أنا مش علاء. زميل آخر كان يجلس في ردهة تتوسط الغرف يتحدث إلى زوجته وأبنائه وهو لا يشعر بأن صوته عالٍ جدًا، فلما وجده قد بدأ يتحدث في أمور تخص أسرته دون أن ينتبه إلى وصول صوته إلى الجميع، خرج اليه وطلب منه بهدوء أن يخفض من صوته، ولكي يعلم أن الجميع يسمعونه قال له مبتسمًا: ربنا يرجعك لهم بالسلامة، إن شاء الله ربنا يوفق الأولاد في الامتحانات. أشعروه بأنهم في رحلة سياحية في شرم الشيخ أو مارينا، كان يبتسم كلما سمع صوتهم العالي الذي عود نفسه عليه، حيث قرر أن يتركهم يستمتعون بلحظتهم دون أن يعكر صفوهم.. وكلما سمع صوتهم العالي يضحك معهم ويقول الحمد لله. مدير المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه[email protected]