أعوذ بالله من كلمة أنا

“أعوذ بالله من كلمة أنا”.. مقولة تردد على ألسنة الكثير من الناس خاصة في المجتمعات العربية، وضمير المتكلم “أنا” يتغير معناه والقصد منه على حسب السياق الذي ورد فيه بالجملة، لذا دعونا نقترب ونتعمق أكثر في مفهوم ومعنى تلك المقولة، وكيف اختلف معناها عند قول الرسول ﷺ لها، وبين الشخصيات الثلاثة التي رددتها.
كان إبليس هو الشخصية الأولى عندما قال “أنا خير منه”، جاءت هذه المقولة عندما رفض إبليس أمر الله بالسجود لآدم عليه السلام، معللاً ذلك بتفضيله لنفسه على آدم، مستندًا إلى أنه خُلق من نار وآدم خُلق من طين، حيث إن هذه “الأنا” قادت إبليس إلى الكفر والضلال الأبدي، كما أظهرته بالكبر والتعالي والعصيان. بينما كان النمرود هو الشخصية الثانية، الذي أصيب بالجهل والغرور، الأمر الذي دفعه إلى الادعاء الباطل بالألوهية والربوبية، فقال “أنا أحيي وأميت”، وذلك عندما تحدى سيدنا إبراهيم عليه السلام فيم يخص من يحيي ويميت، وقيامه بإنساب هذه القدرة لنفسه، إنها “الأنا” التي دفعت النمرود إلى تحدي نبي الله وإنكار حقيقة قدرة الخالق. بينما يُعد فرعون هو الشخصية الثالثة خاصة بعد مقولته الشهيرة “أنا ربكم الأعلى”، حين ادعى الألوهية والربوبية على قومه واستعبدهم وظلمهم، وهنا “الأنا” جاءت على لسان فرعون لكي تكشف مدى الظلم والطغيان وإنكار الحقائق الواضحة، التي جعلت فرعون يستشعر أنه فوق البشر. إن كلمة “أنا” في أحاديث النبي ﷺ تحمل أبعادًا تتجاوز مجرد الضمير الدال على الذات، فهي تتضمن إشارات مهمة للمسؤولية العظيمة التي حملها الرسول، كما أنها تحمل في طياتها معاني عظيمة ودلالات عميقة تتعلق بنبوته ورسالته ومسؤوليته تجاه أمته وبعض الصفات التي اختصه الله تعالى بها. جاء الحديث الشريف للرسول ﷺ: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يؤمئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول شافع، وأول مشفع ولا فخر، وغيرها من الأحاديث التي تتضمن كلمة “الأنا”، لكي تؤكد وتوضح المقام والمنزلة العظيمة الخاصة بالنبي ﷺ عند الله يوم القيامة، حيث كانت “الأنا” هنا هي كلمة الحق التي تعبر عن نعمة الله وفضله، ومكانة الرسول العظيمة التي لا ينازعه فيها أحد، وجاءت عبارة “ولا فخر” في الحديث المشار إليه، لكي تنفي شبهة التباهي والتعالي والتفاخر، بل هي بمثابة إخبار بحقيقة فضل الله عليه.بعد أن تم استعراض اللمحة الاستكشافية للأمثلة الثلاثة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم، تم فتح آفاقًا أوسع لفهم مقولة “أعوذ بك من شر كلمة أنا”، وهنا يتضح لنا وبدقة، الفرق بين كلمة “الأنا” التي تحمل الكبر والتعالي والادعاء الباطل والظلم، والتي يجب الاستعاذة منها، وكلمة “الأنا” التي تعبر عن الحقائق بصدق وتواضع. ختامًا.. إن مقولة “أعوذ بالله من كلمة أنا” هي بمثابة تذكير دائم بضرورة مراقبة ما بداخلنا ونوايانا عند استخدامنا هذه الكلمة، ولذلك علينا أن نسعى دائمًا إلى التواضع والاعتراف بفضل الله في كل شيء، كما ينبغي علينا أن نشكر الله تعالى على فضله ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.