قولنا فيما يثار حول التداوي بالقرآن الكريم.. "فريات وشبهات"

من القضايا الساخنة التي دوما ما تثار في كل زمان ومكان، بين كل أطياف المجتمع. خصوصا من بعض من يدعون أنهم من أهل العلم الشرعي- وهم أبعد ما يكونون عنه – ممن يتصدرون للخطابة في الناس في الأماكن الشعبية والعشوائية في الزوايا الصغيرة التي تملأ الشوارع الجانبية في الأحياء الشعبية.
فليس كل من لبس جلبابا قصيرا ووضع سواكا ومصحفا صغيرا وأطال لحيته وحفظ بعض آيات القرآن وبعض أحاديث النبي ﷺ يتصدر للخطابة، فهناك ضوابط للدعوة إلى الله تعالى، وهناك كليات تابعة لجامعة الأزهر كليات الدعوة ومعاهد إعداد الدعاة حتى لا تحدث بلبلة عند المتلقي. دون أدنى شك أنني أؤمن بالقرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نؤمن بمحكمه ونؤيد متشابهة، وأنه كتاب الله المنزل نزل به الروح الأمين على قلب وفؤاد وعقل المعصوم ﷺ ومن ثم فالإيمان به واجب حتى لا يزايد علينا المزايدون وأننا من أنصار الفلسفة. وأن الفلسفة تقود إلى التيه والضلال وهذا محض افتراء على الفلسفة فالفكر الفلسفي استنارة للعقول ولين للعقول المتحجرة عن طريق فكر عقلي يركن إلى العقل وهذه دعوة الله تعالى أعمال العقل(فاعتبروا) فالفلسفة منهجها الاعتبار والتدبر والتأمل والتفكر. كذلك نؤمن بسنة النبي ﷺ بكل أحاديثه الثابت صحتها في صحاح الأحاديث نتفق على ذلك بداية. نطرح بعض الأسئلة للنقاش أي علاج نقصده هل علاج روحاني نفساني؟! هل علاج عضوي بدني؟! هل هما معا؟!. أولًا: الرأي المؤيد: يرى أنصار هذا الرأي أن العلاج بالقرآن نفسي وروحي وعضوي بدني، وأدلتهم على ذلك قول الله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، (وشفاء لما في الصدور)، (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس). وأن عمربن الخطاب رضي الله عنه كان يداوي بسورة الفاتحة وأن الرسول ﷺ عندما لدغ الثعبان أبا بكر تفل على قدمه ومسح عليها وقرأ عليها القرآن فشفي. ومن ثم فأصحاب هذه الرأي يذهبون إلى القول أن التداوي بالقرآن واجب شرعي وأن العلاج الطبي من مستحبات الأمور.!! ثانيًا: الرأي المعارض: كثير من الأطباء النفسيين، وكذلك الأطباء في مخلتف التخصصات يرفضون ذلك لأن الله تعالى أمرنا بالتداوي، ما جعل الله من داء إلا وجعل له دواء إلا الهرم، وكذلك حديث النبي ﷺ تداووا عباد الله، وأن النبي حينما غلبته الحمى كان يضع الماء البارد علي رأسه ووجهه الشريف. وحجتهم أننا هل نترك العلم وكليات الطب والصيدلة والعلاج الطبيعي وطب الأسنان ونذهب إلى هؤلاء الدجلة من وجهة نظرهم ونطلب منهم أن يقرأوا القرآن على الجرح مثلا فيشفى أو على مرض عضال يحتاج إلى استئصال ورم خبيث فيشفى ونغلق المستشفيات والعيادات وأماكن العلاج الطبيعي أو صالات التربية البدنية (الجيمينزيوم) ونتجه إلى القرآن، وعلاج أمراض السمنة المفرطة يعني تجعل أحد هؤلاء يقرأ عليها ربعا من القرآن ووزنها مئة كيلوجرام فتخس.! الرسول ﷺ شخص حالة مرضية إذ جاءه رجل يشكو من ألم في بطن أخيه فقال له النبي اسقه عسلا، وأثبت الطب الحديث وعلماء التغذية فوائد العسل بعد إجراء بعض التجارب عليه. إذًا النبي كان يعالج ويعالج بالأعشاب وقد أثبتت التجارب العلمية العلاج بالأعشاب بعد إخضاعها للمعالجات الكيميائية وكذلك حجتهم أن المستشفيات موجودة منذ القدم فها هو الرازي الطبيب الذي أنشأ (البيمارستان)، وكذلك تشريح العين واكتشاف الدورة الدموية لابن النفيس والجراحات الدقيقة التي كان يقوم بها زهراوي المغرب وابن سينا المشرق، وكذلك القانون في الطب لابن سينا والحاوي للرازي والكليات لابن رشد. فلو صح هذا الأمر لما اتجه هؤلاء العلماء لدراسة العلوم الطبية والصيدلانية واكتفوا بالذهاب للمشايخ والمشايخ على عهدهم كانوا مشايخ على حق وليسوا كهؤلاء الذين نراهم اليوم ،ولما أرسلت كليات الطب الارساليات والبعثات الطبية إلى مختلف جامعات العالم لتلقي العلوم الطبية. ثالثًا: الجمع بين الاثنين العلاج بالقرآن والعلاج الطبي. وهذا رأى كثير من المثقفين، بمعنى نعالج بالقرآن الأمور النفسية والروحية مثل علاج الحسد والعين وفك الأعمال والسحر لأن النبي ﷺ سحر وأتى جبريل وعلمه قراءة المعوذتين ودله علي مكان السحر. ولكن من الذي يقوم بذلك، لا أقول متخصصين أو ما يظهرون على شاشات التليفزيون وإنما أن تقوم أنت بنفسك أو أحد من أهل بيتك ولو أمسكت بالمصحف وقرأته سيذهب الله عنك هذا الرجس الذي هو من عمل الشيطان. أما الطبيب المعالج بالأدوية فيأخذ بركة القرآن كأن يقرأ الكثير من الآيات قبل دخوله لغرفة العمليات من أجل أن يمنحه الله التوفيق في إجراء عملياته المعقدة. ولكن لا يقرأ على المريض من أجل أن يشفيه الله بمعنى لا يترك مشرطه وأدواته الجراحية ويترك المريض خدرا ويمسك بالمصحف ويرتل القرآن ويطلب أن تجرى العملية من تلقاء نفسها وإنما يأخذ بالأسباب ويتوكل على رب الأسباب. رابعًا: رأينا المتواضع في هذه الإشكالية فنرى أن الله قد منحنا عقلا نفكر به ونهتدي به في عتمة هذه الخزعبلات، نعلم أن القرآن دستور الله المنزل الذي ينظم العلاقات بين البشر وفيه خبر ما كان قبلنا ونبأ من سيأتي بعدنا وأن أكثر من ثلثي القرآن في إقرار وحدانية الله والباقي في المعاملات والعبادات. وأن هناك مشكلات نفسية كثيرة معقدة وعصية الحل كالسحر وفك الأعمال وإن كنا نرى أن هناك مشكلات نفسية تحتاج إلى أطباء نفسيين بالإضافة للقرآن الذي يحمل ما يحمله من الهدوء والسكينة إذن نستخدمه مع العلاج النفسي. أما العلاج العضوي فلا يمكن بحال من الأحوال إلا من أجل التبرك بالقرآن ورب القرآن ودليلي علي ذلك، نفترض أن أحدا ظل يقرأ القرآن ولم يلجأ إلى الطب ولم يشفى المريض فما العمل إذن سيكون التشكيك في هذا الثابت الذي يحمل حركيته وديناميكيته في ثباته يدور حيث تدور الدهور والأزمان. هل يعقل ما نسمعه أن رجلا من إياهم -المشايخ – تأتيه امرأة غلبها دم الحيض ولم يتوقف فيقول لها اكتبي على رحمك (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) ونحن نعلم أن هذه الآية نزلت في سيدنا نوح وسفينته، بأي عقل نصدق هذا الكلام!. أما القول وشفاء لما في الصدور أي من ضيق وعدم الراحة النفسية فبمجرد أن نقرأ القرآن تهدأ النفس ويزول الهم، أما العلاج بالقرآن ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين الذي بلغ فيه الطب مبلغه، فصحيح أن هناك أمراضا مستعصية قد يعجز الطب عن الوصول إلى علاج لها. إذًا نبرأ من حولنا وقوتنا إلى الله بالدعاء ففي قوله تعالى، وإذا مرضت فهو يشفين، أن تدعو الله تعالى أن يجد لها شفاء ناجحا أي أن يوفق العلماء إلى وجود دواء نافع يشفي به المريض. هذا قولنا في هذا الموضوع الذي دوما ما يثار الحديث حوله. أستاذ الفلسفة بآداب حلوان