“نيويورك تايمز”: واشنطن تستخدم تفوقها في رقائق الذكاء الاصطناعي لتقوية شراكاتها في منطقة الشرق الأوسط

سلطت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية الضوء على جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط التي تبدأ اليوم وتستمر لمدة 4 أيام؛ حيث أصبحت هيمنة أمريكا على رقائق الذكاء الاصطناعي مصدراً قوياً للنفوذ فتنصب الانظار على كنزٍ آخر يقع في وادي السيليكون الأمريكي.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية – في تقرير اليوم الاثنين – أن رقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها شركات أمريكية مثل “نفيديا” و”إيه إم دي”، تعد من أكثر التقنيات التي تسعى دول الشرق الأوسط لاقتنائها لإحداث تحولات جذرية في قطاع الأعمال وتوليد تريليونات الدولارات من القيمة الاقتصادية. وتسعى بعض دول المنطقة إلى الاستثمار بمليارات الدولارات في بناء مراكز بيانات متطورة بهدف تعزيز مكانتها في مجال التكنولوجيا المتقدمة. ولفت التقرير إلى أن دول الخليج تملك ما يكفي من الطاقة والسيولة لبناء مراكز بيانات، وهي المرافق التي تحتضن الحواسيب العملاقة المشغلة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، لكنها بحاجة إلى موافقة الحكومة الأمريكية لشراء الرقائق المصممة في الولايات المتحدة لتشغيل تلك الأنظمة وبينما كانت إدارة بايدن حذرة بشأن السماح بهذه المبيعات، تبدو إدارة ترامب أكثر ميلاً لاستخدام رقائق الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز علاقات استراتيجية في منطقة يحتفظ فيها ترامب بروابط مالية وتجارية عميقة. ويتوقع أن تكون هذه التكنولوجيا محور صفقات كبيرة خلال جولة الرئيس الأمريكي إذ من المرجح أن يسعى مسؤولون إلى إبرام اتفاقيات مع إدارة ترامب تضمن لهم الحصول المستمر على رقائق الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة. كما من المرتقب أن تعرض الإدارة صفقات ومفاوضات مع شركات تقنية أمريكية مثل “إيه إم دي”، “نفيديا”، “مايكروسوفت”، “جوجل” و”أوبن إيه آي”، وفقاً لستة مصادر مطلعة على الخطة. ومن المقرر أن يرافق عدد من كبار التنفيذيين في قطاع التقنية الرئيس ترامب في زيارته، منهم جنسن هوانج (الرئيس التنفيذي لـ”نفيديا”)، وسام ألتمان (رئيس “أوبن إيه آي”)، وليزا سو (الرئيسة التنفيذية لـ”إيه إم دي”)، وروث بورات (من شركة “ألفابت”)، حيث سيتبادلون الأحاديث مع وزراء سعوديين ومسؤولين من البيت الأبيض ضمن منتدى استثماري يركّز جزئياً على الشراكات في مجال الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات. كانت الولايات المتحدة قد بدأت تنظيم صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي بشكل منهجي خلال إدارة بايدن نظراً لأهميتها في تطوير تقنيات عسكرية وتقنيات مراقبة حكومية وبينما يبدي بعض مسؤولي إدارة ترامب قلقاً مشابهاً بشأن تبعات تصدير هذه الرقائق، إلا أن آخرين منفتحون أكثر على استخدامها كورقة ضغط عالمية، وربما إدماجها في مفاوضات تجارية وغيرها. وقد اقترح وزير التجارة الامريكي هوارد لوتنيك، وهو المسؤول عن سياسات التجارة والتكنولوجيا، ربط وصول الدول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي بمفاوضات تجارية، بحسب مصدر مطّلع على مقترحاته. وتطرح هذه المحادثات، رغم أنها لا تزال في بدايتها، تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة ترامب ستسعى لاستغلال الطلب العالمي على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بما يخدم المصالح الأمريكية. وذكر تقرير (نيويورك تايمز) أن ترامب يتوجه إلى الشرق الأوسط بهدف تعزيز الاستقرار الإقليمي، والحفاظ على أسعار نفط منخفضة، وجذب استثمارات من حكومات تتمتع بفوائض مالية ضخمة. وقد قدمت دول الخليج لترامب نوع الاستثمارات الضخمة التي يحرص على الترويج لها، ففي يناير، اقترحت السعودية استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة. وخلال زيارة مسؤولين من الإمارات إلى واشنطن في مارس الماضي، تناولوا العشاء مع نائب الرئيس “جي دي فانس”، وتعهدوا باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال العقد المقبل، بما يشمل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. ووفق لتقرير الصحيفة الامريكية، فإن الهيمنة الأمريكية الحالية على الذكاء الاصطناعي تمنح الرئيس ترامب، الذي يقدم نفسه كصانع صفقات بارع، مصدر نفوذ فريداً من نوعه ورغم أن الصين بدأت في تطوير رقائق تنافسية، إلا أن الشركات الراغبة في بناء حواسيب فائقة لتشغيل روبوتات الدردشة، وتسريع اكتشاف الأدوية، وتطوير البرمجيات، لا تزال بحاجة إلى التكنولوجيا الأمريكية. وسعت إدارة بايدن إلى استغلال هذه الهيمنة عبر وقف الشحنات إلى الخصوم أولاً، ثم التحكم في توزيع الرقائق عالمياً؛ فبعد فرض قيود تدريجية على تصدير الرقائق إلى الصين وروسيا، أصدرت إدارة بايدن في أسابيعها الأخيرة قواعد شاملة تحدّ من عدد الرقائق التي يمكن إرسالها إلى دول أخرى، بما فيها دول الخليج. وكان الهدف من هذا القرار ضمان أن تُبنى أكبر مراكز البيانات في العالم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وليس في الشرق الأوسط أو مناطق أخرى. وقد نصّ القرار بايدن السابق، الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 15 مايو، على السماح ببيع غير محدود للرقائق إلى 18 حليفاً مثل بريطانيا وألمانيا واليابان، مع حظرها على الصين وإيران ودول أخرى مصنفة كخصوم. بدوره، قال جيم سيكريتو، النائب السابق لرئيس موظفي وزارة التجارة الأمريكية، إن القاعدة هدفت لحماية الأمن القومي وتشكيل مستقبل تكنولوجيا حيوية. وأضاف: “من دون تنظيم، قد يؤدي توافر الطاقة الرخيصة ورأس المال في الخارج إلى بناء مراكز بيانات أكثر خارج أمريكا مقارنة بما هو داخلها”. وقد اعترضت شركات مثل “نفيديا” و”أوراكل” على هذه القاعدة، قائلة إنها ستضر بريادة التكنولوجيا الأمريكية؛ ويبدو أن مسؤولي إدارة ترامب يوافقون على هذا الطرح. ففي يوم الأربعاء الماضي، قدّمت الإدارة طلباً يشير إلى أنها ستصدر قاعدة جديدة تُلغي الإطار السابق، دون تحديد جدول زمني لذلك. وقال بن كاس، المتحدث باسم وزارة التجارة، في بيان: “إن قاعدة الذكاء الاصطناعي التي وضعتها إدارة بايدن معقدة للغاية وبيروقراطية، وستعيق الابتكار الأمريكي، ونحن بصدد استبدالها بإطار أبسط وأكثر وضوحاً يضع أولوية للهيمنة الأمريكية ويُطلق العنان للإبداع في مجال الذكاء الاصطناعي”. وقال ديفيد ساكس، المسؤول عن ملف الذكاء الاصطناعي في البيت الأبيض في منشور له عبر منصة “اكس”، إن قاعدة بايدن أضرت بالعلاقات مع الحلفاء، و”حوّلت واشنطن فعلياً إلى مخطط مركزي لصناعة الذكاء الاصطناعي العالمية”، ما كان سيدفع العالم لاستخدام تقنيات غير أمريكية. وقد رحّبت بعض الشركات بهذا التغيير. وقالت المتحدثة باسم “نفيديا” ميلين مانجاليندان: “من خلال التخلي عن قاعدة بايدن، سيكون أمام أمريكا فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في الجيل لقيادة الثورة الصناعية المقبلة”. لكن بعض المطلعين على خطط إدارة ترامب يحذرون من التفاؤل المفرط إذ إن المسؤولين في الإدارة يعملون على إعداد قواعد جديدة بديلة لتلك التي أقرتها إدارة بايدن، ولم يتم الانتهاء منها بعد، وقد تُنشر خلال الأسابيع المقبلة. ويتعيّن على الشركات التي ترغب في بيع كميات أكبر من الرقائق التقدم بطلبات للحصول على تراخيص من وزارة التجارة، مع التركيز على تمكين شركات أمريكية مثل “مايكروسوفت” و”أمازون” و”جوجل” من بناء مراكز بيانات في الخارج على حساب منافسيها الأجانب. واختتمت (نيويورك تايمز) التقرير بانه من غير الواضح ما الذي سيتم تبنيه في نهاية المطاف، إذ إن نظاماً قائماً على التراخيص الحكومية والصفقات السرية قد يكون أكثر وداً تجاه الشركات، لكنه قد يكون أيضاً أكثر صرامة في بعض الحالات، أو يتسبب في اختناقات تؤخر الصفقات.