اللهم اجعلني قائدًا للولايات المتحدة الأمريكية.

اللهم اجعلني قائدًا للولايات المتحدة الأمريكية.

أؤكد أن الهدايا الدبلوماسية التي تمنحها الدول للمسؤولين الأجانب لم تكن يومآ قاعدة بروتوكولية، أو حتى نوعًا من التقدير أو التأكيد على توطيد العلاقات، بل تحمل في الغالب سياسة مغلفة تسمى بذر الرماد في العيون، لكسب ود أو درء شر رئيس أو مسؤول يصعب التنبؤ بما سيفعل، وهو نموذج أعتقد أنه ينطبق تماما على الطائرة الفاخرة من طراز “بوينج 747-8” التي من المفترض أن تقدمها قطر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 فمنذ أيام، نشر موقع “أكسيوس” الأمريكي تقريرًا مطولًا، قال فيه نصًا: “إذا كنتَ قائدًا أجنبيًا أو رئيسًا تنفيذيًا على وشك لقاء ترامب وترغب في تجنب انتقامه، فحضّر معك هدايا”، مضيفًا أن “المسؤولين حول العالم أصبحوا يضعون استراتيجياتٍ لمنح الرئيس الأمريكي مكاسب، لتذليل الصعوبات التي تواجههم مع إدارته، أو تجنب العقوبات الاقتصادية والقانونية التي يفرضها على دول العالم”، مما يعزز فرضية ذر الرماد في هدية الدوحة الثمينة للرئيس الأمريكي. اللافت أن الهدية القطرية الثمينة، التي يُطلق عليها لقب “القصر الطائر”، وتُقدّر قيمتها بنحو 400 مليون دولار، سوف تُستخدم كجزء من أسطول الرئيس الأمريكي، مما فتح كثيرًا من التساؤلات حول مشروعية قبول الرئيس لهدية بتلك القيمة الضخمة من دولة أجنبية، لاسيما أن القانون الفيدرالي يُلزم المسؤولين الحكوميين بالإفصاح عن أي هدية تتجاوز قيمتها 480 دولارًا. ورغم أن القانون الفيدرالي يُلزم كل المسؤولين الحكوميين بدفع القيمة السوقية العادلة للهدية في حالة الاحتفاظ بها، إلا أن مستشاري البيت الأبيض أكدوا أن الهدية القطرية لترامب لا تخرق القوانين الأمريكية، بشرط نقل ملكيتها للكيان القانوني المسؤول عن إدارة مكتبة الرئاسي، وفي موعد أقصاه يناير 2029 أي قبل انتهاء ولايته الثانية. التساؤلات حول الهدية الأغلى التي تقدمها حكومة أجنبية لرئيس أمريكي لم تتوقف عند هذا الحد، حيث لمح البعض إلى توقيع “منظمة ترامب” الشهر الماضي مشروعًا عقاريًا بقيمة 3 مليارات دولار في العاصمة القطرية، مما دعا اللجنة الوطنية الديمقراطية لإصدار بيان لاذع، وصفت فيه الهدية بـ”أحدث عملية احتيال من ترامب”، في حين لمح عدد من النواب الديمقراطيين في الكونجرس بأنهم سيجعلون من القضية أولوية خلال الأيام المقبلة. غير أن النائب الديمقراطي ريتشي توريس لم ينتظر، وسارع بالتقدم بطلبات رسمية إلى ثلاث جهات فيدرالية للتحقيق في قضية الهدية القطرية، وإجراء مراجعة فورية لتحديد ما إذا كانت تنتهك القواعد الأخلاقية أو البند الدستوري المتعلق بالمكافآت، لاسيما أن أمر الهدايا التي يتلقاها الرؤساء الأمريكيون لم يتوقف عند ترامب، بل سبقه إليها العديد من اقرانه. الغريب، أنه ووفقًا للإحصاءات السنوية القانونية التي تصدرها الخارجية الأمريكية، باتت الهدايا التي يحصل عليها الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين بمثابة عرفًا، حيث رصدت التقارير تلقي الرئيس الأسبق جو بايدن وزوجته عددًا كبيرًا من الهدايا القيّمة من مسؤولين أجانب، كان أبرزها ماسة فريدة تزن 7.5 قيراط من رئيس الوزراء الهندي، ولوحة فنية بقيمة 2400 دولار من الرئيس الأوكراني. كما تضمنت هدايا بايدن وزوجته ــ وفقًا لإحصاء الخارجية الأمريكية ــ بروشًا قيّمًا بقيمة 14,063 دولارًا من السفير الأوكراني لدى أمريكا، وصينية فضية بقيمة 3160 دولارًا من الرئيس الإسرائيلي، وألبومًا تذكاريًا مصورًا بقيمة 7100 دولار من الرئيس الكوري الجنوبي.غير أن ما يدعو للعجب أن الهدايا الأجنبية الفاخرة وصلت حتى إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA””، من بينها ساعة “أوميجا” ومجموعة مجوهرات بقيمة بلغت 651 ألف دولار، وجهاز فلكي وتلسكوب وكاميرا فلكية بقيمة تجاوزت 132 ألف دولار، وساعة “رولكس” فاخرة بقيمة 8050 دولارًا، إلى جانب هديتين من الشيكولاتة لموظف مجهول في الوكالة بقيمة 1400 دولار… واجعلني اللهم رئيسًا لأمريكا… وكفى.