محمد درويش يكتب: حول الخوف وأعوامه

في هذه الأيام متشابكة الأحداث وفي مثل هذه الظروف أصبح الشائع عند الغالبية العظمى من البشر في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية الشعور بالخوف من المستقبل، وما يخبئه القدر من أحداث قد تجرعهم الحزن وعلقم الإحباط، الخوف من الرفض من المجتمع أو من العائلة خوف فقد النعم التي أنعمها الله علي عباده حنانة وعطفا منه عزوجل.. مخاوف شتى ومقالق كثيرة دهت إنسان هذا العصر وافقدته سكينة روحه وطمأنينة قلبه بل وإنسانيته.
من منا لا يخاف ومن منا لا تعتريه المخاوف على رزقه وأهله واستقراره كل تلك المشاعر هي دلالة على بشريتنا وإنسانيتنا ولكن ما أتكلم عنه هي حالة الهلع والخوف المبالغ فيه التي أصابت إنسان ذلك العصر فأفقدته الاستقرار النفسي وطمست وجدانه فأصبح توقع الشر والمصائب جزءا من شخصيته فاختفى التفاؤل وحسن الظن بالله من قاموسه وصدعت تراتيل الشيطان ومزاميره في صدره تملؤه ضيقا وتبرما وألما وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياؤه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين). لقد خلق الله الإنسان بقدرته البالغة وحكمته العليا لا يخاف من أي شيء ولا من أي شخص ولد الإنسان بفطرته لا يخاف شيئا وإذا ترك هذا المفطور المجبول على الجرأة والشجاعة ما خاف أبدا ولكنها مكتسبات البيئة واختلاطه بالبشر جعلت الخوف يتسلل إلى قلبه وإلى جنبات نفسه.أما ترى الطفل الرضيع إذا وضعته مع الأسود الصغيرة فإنه يسارع باللعب معها وهذه فطرة الإنسان الجميلة الباهرة ولكن في معترك الحياة وأزمة السعي وراء لقمة العيش تتولد المخاوف بصورها القاتمة وتحول الإنسان خليفة الله في أرضه الي كيان مبعثر محطم الطوايا.صدقني لا أطلب منك أن تكون المخاطر الصنديد الذي لا مثيل له ولا نظير ولكني أؤكد لك أن الله خلقك منذ القدم مقداما لا تخاف ولكن معترك الحياة ومكر بني البشر هو سبب خوفك المبالغ فيه وعجزك عن السيطرة عليه ولكن عليك أن تتعايش بيقين مع الخوف الذي يشعر به معظم البشر في أمور مصيرية هذا هو سبيلك لكي تحدد وجهتك وتحقق اهدافك .فلقد خاف صفوة الله المختارة من بني البشر أنبياء الله أولي العزم فهذا كليم الله موسي عليه السلام وهو يواجه واحد من جبابرة الأرض كان التوجيه الإلهي الذي هو درس لنا باقتحام تلك المخاوف وسبل أغوارهافقال له الحق يدعمه (ياموسى أقبل ولا تخف انك من الآمنين) القصص آية ٣١.وقال له أيضا عزوجل (ياموسى لاتخف إني لايخاف لدي المرسلون) سورة النمل آية ١٠.كلها رسائل إلهية موجهة لكريم الله لتدعيمه وتقوية إرادته وكي تكون سنة الهية يستن بها بنو البشر في أن أول طريق لكسر حاجز الخوف هي مواجهة المخاوف لا الهروب منها.أكدت الدراسات النفسية أن كل مخاوف بني البشر منبعها خوفان خوف الفشل وخوف الرفضخوف الفشل الطالب يخاف من ان يفشل في دراسته والزوجة تخاف ان تفشل في زواجها والتاجر يخاف ان تكسد تجارته وغيرهم الكثير.توقع الفشل شعور بغيض يقوض إمكانيات الفرد وعلاجه أن تسلم أن أي إنسان يعمل لا بد أن ينجح ويفشل هذا نصيب مفروض لكل عامل الذي لايفشل أبدا هو الذي لا يعمل ونظرة بسيطة إلى عظماء التاريخ من الزعماء والعلماء والمفكرين تؤكد وتنطق بأنهم تعرضوا لموجات عاتية من الفشل ولكن إيمانهم بأنفسهم جعلهم يصلون إلى منازل رفيعة ويكفي أن أذكر لك مثال توماس اديسون مخترع المصباح الكهربائي الرجل الذي أنار الدنيا واخترع أكثر من ألف اختراع هذا الرجل أخرج لسانه للفشل والإحباط والنقد يكفي في طفولته أجمع معلموه على أنه طالب غبي لا يستحق أن يكون طالبا وبعثوا لأمه رسالة بذلك. كي تخرجه من المدرسة وتبحث له عن حرفة تلائم مستواه الفكري ولكنه أخرج لسانه لهم وثابر في دراسته ولم يهتم بكلامهم وفي رحلته لاختراع المصباح الكهربائي جرب ٩٩٩ محاولة فاشلة لاختراعه ولم يقل لقد فشلت بل قال لقد جربت ٩٩٩ طريقة لا تؤدي للنتيجة التي ابتغيها حتي نجح اخيرا في اختراعه وانار العالم هذا منطق العاقلين العالمين ولا بد أن يكون منطقنا طالما اجتهدنا فلا فشل في الحياة ولكن خبرات.أما خوف الرفض نجد أناسا يخافون من الرفض من الاهل والجيران وزملاء الدراسة والعمل والمجتمع والعالم كله وهذا منطق فاسد لا يوجد أحد يحبه الناس كلهم كما لا يوجد انسان يكرهه كل الناس لكن انسان حظه من الرفض. إذا أرضيت نصف من تعرفهم فهذا رائع جدا وعلامة على أنك إنسان مقبول أما إذا حاولت أن ترضي جميع الناس فوالله لن ترضي أحدا أبداويكفي أن أنبياء الله قد لاقوا من الرفض ما الله به عليم فهذا موسى وإبراهيم عليهما السلام لاقوا الرفض من السلطة الحاكمة ونوح ولوط لاقوا الرفض من اهلهم وهذا محمد عليه افضل الصلاة والسلام لاقى الرفض من قومه وقيل عنه ساحر وكاذب ومجنون ولكن هؤلاء الصفوة المختارة من خلق الله قد أوجدت لها بدائل تنصرها وتؤيدها بتوفيق من اللهيقول الله جل وعلا (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) الأنفال ٦٢.وهذا ما لا بد منه في رحلة الأمن النفسي أن تكون لك جماعة مخلصة مؤمنة الإيمان الحقيقي لا الشكلي تعرف أن الله أرحم الراحمين وأن الله مع عبده ضده أن يصاب في نفسه وماله وعرضه وان جوهر الإيمان هو حسن الظن بالله وتوقع الخير منه مستحيل من يعبد الله علي حق إلا أن يكون متفائلا صبوح الوجه وتلك الكلاحة التي تظهر علي من ادعوا التدين ما هي إلا لسوء الظن بالله وافتقارهم الفهم الصحيح. لذلك كانت صحابة الحبيب صلى الله عليه هم جماعته بعد رفض المغرورين وكبار القوم للدعوة(يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) الأنفال ٦٤.هذه الجماعة التي عضدت بعضها وقوت نفسها أصبح الفرد المستضعف منهم الذي كان يعذب تحت رمضاء مكه قائدا يفتح بلاد لم تسمع عنها قريشا في يوم من الايام فسبحان من نصر وأعز وقدروصفوة الله في طريق النصر على الخوف وحفاظا على أمننا النفسي لا بد أن نتقبل الفشل والرفض والنقد ونعرف ان الخوف مشاعر انسانية مشترك فيها البشر كافة وان الشجعان الذين نراهم ونعجب بهم يخافون مثلنا ومثل بني البشر وفي سبيلنا للتعايش مع أي مخاوف لا بد أن نحافظ على أمننا النفسي بتقوية الصلة بربنا على نحو رشيد وأن ندعم أمننا هذا بامن الجماعة فيكون الهدوء والسكينة والاطمئنان.فاللهم هدى لأرواحنا وراحة لأنفسنا ونصرا على أعدائنا إنك علي كل شيء قدير.