محمد دياب: أين تلاشت الدوريات الشرطية؟

كلما تصفحت هاتفي ومررت بمنصات التواصل، كأنني أعبر شوارع افتراضية تحاكي واقعاً يتهاوى: شجارات بالسكاكين، بلطجة مسلحة، مشاهد تهديد في قلب النهار، ووجوه لا تعرف للردع معنى… وكأن الشارع لم يَعُد للدولة، بل آل إلى من يُجيد فرض السطوة بالذراع والنصل.
هذا المشهد المتكرر، الذي لم يعد صادماً لكثرة تكراره، هو ما دفعني لكتابة هذا المقال. فالمشكلة لم تعد حوادث عابرة أو مشاهد استثنائية، بل تحولت إلى ظاهرة تتسع رقعتها، وتتمدّد في كل شارع وزاوية، حتى باتت تُخنق معها آخر أنفاس الأمان في صدور المواطنينالدولة لا تُقاس فقط بمؤسساتها، بل بحضورها في وعي الناس. والشارع هو ميدان الهيبة الأول، فإن خلا من رجل الدولة، امتلأ برجل البلطجة. وحين يتساوى صوت الخارج عن القانون مع صوت رجل الأمن – أو يعلو عليه – فنحن أمام خلل يهدد مفهوم الوطن ذاته..كان صوت “سرينة الشرطة” يوماً ما كفيلاً بأن يُعيد الاتزان إلى الزوايا والطرقات، ويلقي في النفوس رهبة القانون، فيلوذ الخارجون بالصمت والاختفاءالانضباط لم يكن يُنتزع من الناس قهراً، بل كان يُستمد من هيبة الدولة، وهي تمشي بين الناس في زيها الرسمي، وسيرها الهادئ الواثق. أما اليوم، فقد غابت تلك الدوريات التي كانت تجوب الشوارع، وغاب معها الإحساس بالأمان، حتى باتت النواصي مسرحاً للمخالفات، والحارات مأوى للمخدرات، والطرقات مرتعاً للبلطجة وفرض السطوة بالعنف والتهديد.لسنا في مقام لوم، ولا نرفع أصابع الاتهام، بل نرفع نداءً صادقاً إلى من نثق بقدرتهم على إعادة الانضباط: أعيدوا الدوريات إلى الشوارع.فالأمن لا يتحقق في نشرات الأخبار أو تقارير الإنجاز، بل يُلمس حين يرى المواطن رجل الشرطة حاضراً، يسير بين الناس، يراقب، يمنع، ويصون. نعلم أن وزارة الداخلية تبذل جهداً عظيماً في ملفات كبرى، من مكافحة الإرهاب إلى ضبط الجريمة المنظمة، لكننا نؤمن أن أبسط حقوق المواطن هو أن يشعر بالأمان في شارعه، أمام منزله، قرب مدرسته، وفي محل رزقهوذلك لا يكون إلا بعودة الوجود الأمني الفاعل، الميداني، الدائم، الذي يعيد للدولة هيبتها، وللمواطن طمأنينتهفعودوا، أيها الرجال، إلى مواقعكم. لا تتركوا الشارع يُكتب بيد الفوضى. إن الأمن إذا غاب، غابت الدولة… وإذا حضرت الشرطة، عاد الوطن إلى نبضه..فلنرفع الصوت عالياً: لا هيبة لوطن يُدار من خلف المكاتب، ولا أمان لشارع بلا عيون ساهرة ولا أقدام واثقة..فأنتم أبطال هذا المشهد.. وأنتم أول خط الدفاع عن مصر في زمن يحتاج فيه الوطن إلى قبضتكم العادلة أكثر من أي وقت مضى.