شكرًا لله الذي منحنا هوية مصرية

الحمد لله الذي خلقنا مصريين، ولدنا ونشأنا فى وطن سماه الله فى قرآنه الكريم «مصر»، وتعهدها بالأمن فقال تعالى: «ادخلو مصر إن شاء الله آمنين»، تجلى خالق الكون على أرضها، وكلم نبيه موسى عليه السلام فيها، ومنها أشرقت شمس الحضارة.
فى عمق التاريخ على مسافة سبعة آلاف عام، كان الأجداد القدماء، يعملون للحياة الدنيا، والدار الآخرة، يشيدون العمران، ويرسخون القيم والأخلاق، ويستعدون لحساب فى العالم الآخر حيث الثواب والعقاب. هناك فى المتحف المصري الكبير، على مُقربة من أهرامات مصر، إحدى معجزات العالم السبع، امتزجت عظمة الأجداد، وإرثهم الحضارى، مع إنجاز الأحفاد، على مساحة 500 ألف متر مربع، تحتفى مصر المعاصرة، بحضارة الأجداد الأعرق عالميًا. على بعد 51 يومًا، من الحدث العظيم الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، كان لقاؤنا الثرى بالسيد شريف فتحى وزير السياحة والآثار، أمس الأول الثلاثاء، داخل هذا الصرح العظيم، بحضور نخبة من الزملاء رؤساء مجالس إدارات وتحرير المؤسسات والإصدارات الصحفية القومية والخاصة. بين عبق التاريخ وأحضانه إرث الأجداد الحضارى، تحدث الوزير عن الرؤية الاستراتيجية للوزارة، المنبثقة من الاستراتيجية الوطنية للتنمية الشاملة، أحفاد يواصلون البناء على ما أنجزه الأجداد. «مصر.. تنوع لا يضاهى» شعار يعكس حجم التنوع فى المقاصد السياحية التي حبى الله بها مصر، مقومات سياحية ثقافية وبيئية وشاطئية، وصحراوية، وحضارية، ودينية إسلامية ومسيحية، من التجلى الأعظم إلى طريق العائلة المقدسة، مرورًا بالمقومات الحضارية. مقومات مصر الحضارية وحدها تؤهل مصر لأن تكون الأولى عالميًا بقول وزير السياحة والآثار شريف فتحى، وهو شخصية واسعة الثقافة، والطموح الواقعى، «الواقعية الطريق للنجاح». فالرجل يتحدث عن أهداف قابلة للتحقق والقياس، تراعى معطيات الواقع وتحدياته، يضع قائمة بالأولويات وفق الإمكانيات، وبأيسر الآليات. هدف استراتيجية الوزارة الأسمى: «أن تصبح مصر الأولى عالميًا فى تنوع المقاصد السياحية»، فالطموح ينبغى أن يكون «على قدر إمكانيات مصر وتاريخها». لكن ما هى الآليات لتحقيق المستهدفات؟، تحدث الوزير عن تعظيم القيمة المُضافة للمقاصد السياحية المصرية، وإبراز تنوعها، والجهود المُستمرة لتحديث أدوات التسويق السياحى، وفى القلب منها أدوات الذكاء الاصطناعى التي تُمكن من الوصول للجمهور المستهدف حول العالم بدقة. حققت مصر نتائج قياسية عام 2024، باستقبال 15.8 مليون سائح بمعدل نمو 6% مقارنة بعام 2023، متجاوزة بذلك معدلات ما قبل جائحة كورونا بنسبة تصل إلى 21%. تنامى القدرة التنافسية للمقاصد السياحية المصرية، عالميًا، عزز مواصلة مؤشرات النمو السياحى المصري، بزيادة نسبتها 25% فى الربع الأول من العام الجارى 2025، قياسًا على المدة ذاتها من العام الماضى. تخلل النقاشات مع السيد الوزير العديد من القضايا بالغة الأهمية، ذات الصلة بدور الإعلام فى دعم جهود التنمية السياحية، وأهمية تفاعل الوزارة مع ما يثار محليًا ودوليًا، من الأمور ذات الصلة المُباشرة، بالسياحة المصرية ومقاصدها، و«الأمن الاقتصادى السياحي» وكيفية بناء «المُجتمع السياحي»، والاستعدادات لافتتاح المتحف المصري الكبير. يرى الوزير أن هناك اهتمامًا عالميًا متزايدا بالمتحف المصري الكبير فى أوساط الشركات السياحية، لافتًا إلى زيارة له فى اليابان أجرت خلالها 11 وسيلة إعلامية حوارات معه، كانت الصورة الرئيسية فى جميعها للمتحف المصري الكبير. الأمن الاقتصادى السياحى مصطلح أشار إليه الوزير فى حديثه، موضحًا أن هدف الدولة، تعظيم الموارد الاقتصادية المُباشرة للمواطنين المُقيمين فى محيط المقصد السياحى، حتى يكون هؤلاء مستفيدين ومشاركين بالتبعية فى الحفاظ عليه وديمومة نمو عوائده. فى اعتقادى أنه هدف عظيم، يتطلب أن نضع إلى جواره هدفا بعيد المدى عبر استراتيجية قومية، تتكاتف فى تنفيذها كل الوزارات المعنية، للوصول إلى مجتمع الثقافة السياحية، الذي يدرك كل فرد فيه دوره فى تعظيم صناعة السياحة، ويدرك فى الوقت ذاته عوائد السياحة على الدخل القومى وعلى مستوى معيشته بشكل مُباشر وغير مُباشر، ليصبح الأمن الاقتصادى السياحى مفهوم شاملًا لجموع المواطنين ليس فقط المحيط الجغرافى للمقصد وإن كان الأخير هو الأولوية الهدف قريب المدى القابل لقياس المتحقق منه. المتحف المصري الكبير فى الثالث من يوليو المقبل- بإذن الله- ستكون مصر والعالم على موعد مع حدث سيسجله التاريخ، افتتاح رسمي لصرح مصري حديث، يعكس تنامى القدرة الشاملة للدولة المصرية على الإنجاز، لكنه إنجاز الحداثة التي تحتضن التاريخ والحضارة. جوهرية حديثة، تنجز وتبنى على ما سبق من رؤية لمتحف مصري كبير، ليس صرحًا، يسلط الضوء بأحدث آليات العرض المتحفى عالميًا، على أعظم حضارة وآثار فى الكون، بل وأيضًا مركز عالمى لأبحاث علم المصريات. فى جولة داخل المتحف بصحبة السيد الوزير شريف فتحى، أبهرتنا حضارة أجدادنا القدماء، والتي تسهم آليات العرض المتحفى وتوزيع الإضاءة وتقسيمات القاعات بارتباط موضوعى، فى إظهار عظمتها ورونقها وإبداع الأجداد. هناك تصعد الدرج الأعظم بمساحة 6 آلاف متر مربع بارتفاع يوازى 6 طوابق، تصطف على جانبيه وفى مساطبه 87 قطعة أثرية ضخمة، تشاهد ملوك مصر العظام، وكيف كانت الأسرة المصرية مترابطة، فالزوجات يربطن على أكتاف وظهور الأزواج مع تقدم الزوج فى جلسته بضعة سنتيمترات عن الزوجة. فى حضرة الملك توت عنخ آمون تبهرك 5 آلاف قطعة أثرية من كنوز الملك لأول مرة تجدها مجتمعة فى قاعة واحدة مساحتها 7.5 ألف متر، فى المتحف تجد سريرا لـ«المساج»، والتجميل، وأقدم «باروكة» فى التاريخ يعود عمرها إلى ثلاثة آلاف عام. تبهرك قاعات الحرف والفنون المصرية القديمة، على مسطح 880 مترا مربعا، تحتوى على خمسة فصول للحرف اليدوية، من أوان للطعام ومقاعد وأثاث منزلى، وتوابيت مزخرفة بإبداع منقطع النظير، هناك على أحجار شديدة الصلابة أبدع المصري القديم، بما لا يمكن تصديقه ما لم تره بعينك، اليوم مع كل هذا التقدم يتطلب ذلك النقش أحدث أجهزة الليزر ليمكن الرسم على تلك الصخور شديدة الصلابة. هناك تشاهد أجدادنا القدماء، كيف ابتكروا الكتابة على الأحجار ثم أوراق البردى، تبهرك الخطوط والمخطوطات، والأحبار التي استخدمت وعجزت آلاف السنين عن محوها. مصر، الزمان والمكان، الحضارة والتاريخ، الأجداد والأحفاد، مصر نعمة تستحق أن نشكر الله عز وجل ليل نهار على أن رزقنا الميلاد على أرضها، والارتواء من نيلها، وأن نكون امتدادا لشعبها الذي كان فكانت البشرية، تلك الأرض التي تضاء بنور التجلى الأعظم، وتحفظ بفضل الله وبركة أنبيائه الذين عاشوا على أرضها، والذين ساروا على هديهم. الأحفاد يسيرون اليوم بخطى حثيثة، على خطى الأجداد، لاستعادة مكانة أم الدنيا علميًا وحضاريًا، وفكريًا، نستعد لاستقبال باحثى وطلاب علم المصريات فى العالم، لاستقاء علومهم من نبعها المتدفق. هو ليس متحفًا للعرض فقط، بل صرح علمى، حضارى، يحوى 51.472 قطعة أثرية، 12 ساحة خارجية، من حديقة لمتحف الشمس لمنطقة الكثبان الرملية، قاعات للمؤتمرات ومطاعم وممشى سياحى مكتبة رئيسية وأخرى تحوى المخطوطات النادرة، وقاعات للترميم ومكتبة المرئيات وقاعات عرض لذوى القدرات الخاصة. صرح وإنجاز حقيقى حفظ الله مصر ومكن الأحفاد من السير دائمًا على خطى الأجداد فى البناء والحضارة والعلم، لتحقق مصر المكانة التي تليق بعظمتها وتاريخها.والحمد الله الذي خلقنا مصريين.