المعرض الدولي السادس للفنون في مصر: إحياء فن الجرافيك وتعزيز الروابط الثقافية

يمثل ترينالى مصر الدولى السادس للطبعة الفنية (ترينالى الجرافيك) 2025 حدثًا فنيًا دوليًا بارزًا أعادت وزارة الثقافة من خلاله إحياء فن الطبعة الفنية فى مصر بعد توقف دام 19 عامًا، يُعد هذا الترينالى عودة مهمة للفعاليات التشكيلية الدولية بعد غياب طويل، خصوصًا فى مجال الطباعة الفنية مؤكدًا اهتمام وزارة الثقافة المصرية بإعادة ترسيخ مكانة مصر فى المشهد الفنى العالمى.. تزامن الحدث مع احتفالات وزارة الثقافة باليوم العالمى للفن، حيث فتحت المتاحف الفنية بالمجان، فى خطوة لتعزيز العدالة الثقافية وتيسير وصول الجمهور إلى الفنون، وكان الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة قد وجه منذ اللحظة الأولى لتوليه حقيبة وزارة الثقافة بالعمل الجاد لإعادة تفعيل كل الفعاليات الفنية الدولية المتوقفة منذ فترة، ووجه بدراسة كل الإمكانيات المتاحة من أجل تحقيق هذا الهدف.
الترينالى نظمه قطاع الفنون التشكيلية برئاسة الدكتور وليد قانوش، تحت شعار “التواصل وتخطى الحواجز”، الذي يعكس دور الفن كجسر للتقارب بين الشعوب والثقافات، افتتح الترينالى فى قصر الفنون بساحة دار الأوبرا المصرية، بمشاركة نحو 200 فنان من 35 دولة، قدموا حوالى 350 عملاً فنياً متنوعاً يعكس ثراء وتنوع فنون الطباعة على المستوى العالمى.تكونت اللجنة العليا للترينالى من الدكتور وليد قانوش (رئيسًا)، وعضوية الدكتور مجدى عبد العزيز،الدكتورة عزة محمد أبو السعود، الدكتور صلاح المليجي، الدكتور حمدى أبو المعاطي، الدكتور أحمد رجب صقر، الدكتور وائل عبد الصبور، الدكتور هانى الأشقر، الدكتورة سلوى حمدي، وأحمد كمال الدين (أمين اللجنة).الفنان التشكيلى الدكتور أحمد نوار كان صاحب بصمة ودور واضح وفعال ساهم فى خروج الدورة الحالية إلى النور علاوة على دوره سابقًا فى تأسيس الدورات الأولى للترينالى وغيره من الفعاليات الدولية أثناء رئاسته لقطاع الفنون التشكيلية إلى جوار وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى وهى الفترة الذهبية للحركة التشكيلية المصرية محليًا ودوليًا. وقد ترأس “نوار” لجنة تحكيم الترينالى فى دورته الحالية وضمت فى عضويتها: أ.د. أحمد رجب صقر (العميد الأسبق لكلية الفنون الجميلة بالمنيا وأستاذ فنون الكتاب بقسم الجرافيك فى جامعة المنيا) أ.د. اليساندرا انجلينى – إيطاليا (أستاذ الحفر بأكاديمية بيريرا)، د.مارتا آن راتشيك – بلغاريا (حاصلة على دكتوراه فى العلوم الإنسانية وتعمل أستاذاً مساعداً بأكاديمية الفنون الجميلة جامعة كاراكوف)، راجيش بونج – المملكة المتحدة (ناقد فنى حاصل على ماجستير فى تنسيق المعارض من جامعة لندن).تم تكريم سبعة من كبار الحفارين المصريين هم الفنانون: مجدى قناوي، مجدى عبدالعزيز، مدحت نصر، د.عوض الشيمي، د.عبد الوهاب عبد المحسن، د.صلاح المليجي، د.حمدى أبو المعاطي. تمثل هذه الأسماء جيلًا من الفنانين والمربين والباحثين الذين أسهموا فى ترسيخ ملامح فن الطباعة فى مصر، وشاركوا فى صياغة حضورها المؤسسى محليًا ودوليًا.
شهد الترينالى توزيع 13 جائزة، منها جوائز مالية وشرفية، حيث حصل على الجائزة الأولى: وويتشيك تيلبور-كوبراكيفيتش (بولندا)، الجائزة الثانية: محمد عطية (مصر)، الجائزة الثالثة: ميرياما بينو (إيطاليا)، وحصل على شهادة تقدير كل : آنا فيفودا (كرواتيا)، إريكا ووكر (كندا)، حنان فؤاد (مصر)، جوش وينكلر (الولايات المتحدة الأمريكية)، كاميل كوشوريك (بولندا)، لوكاس كونييوشى (بولندا)، محمد عيد (مصر)، سوابنيش فايجاكار (الهند)، فاسيل أنجيلوف (بلغاريا)، فلاديمير فيلياسيفيتش (صربيا).كما أقيمت ندوة دولية فى جلستين: الأولى بعنوان “الطبعة الفنية وتحديات العصر” تحدث فيها الدكتور حمدى أبو المعاطى والدكتور هانى الأشقر، وأدارتها الدكتورة عزة أبو السعود، والثانية بعنوان “رؤية أعضاء لجنة التحكيم” بمشاركة فنانين دوليين وأدارها الدكتور وليد قانوش. تنوع المشاركات والتقنياتشهدت الدورة تنوعًا كبيرًا فى المدارس الفنية والتقنيات المستخدمة، بما فى ذلك الطباعة البارزة، والطباعة الغائرة، والأبيض والأسود، والألوان، بالإضافة إلى الطباعة الرقمية والتقنيات التجريبية الحديثة.هذا التنوع أتاح للفنانين المشاركين، سواء من مصر أو من الخارج، مساحة واسعة للإبداع وتبادل الرؤى، وجسّد حالة من الزخم الفنى والتجديد فى مجال الطبعة الفنية.الجناح المصري كان متميزًا من حيث عدد المشاركين والتقنيات المستخدمة، مع حضور قوى للفنانين المصريين جمع مابين الرواد والشباب على حد سواء.
المشاركة البولندية فى ترينالى مصر الدولى السادس للجرافيك 2025 تمثلت بشكل بارز فى مشاركة الفنانة مارتا أنا راتشيك-كارتش، كعضو فى لجنة تحكيم الترينالى وأيضًا كفنانة مشاركة بالإضافة الى عدد من أهم الفنانين البولنديين مما يعكس الدور الفاعل للفن البولندى فى هذا الحدث الدولي. كما شاركت فى الجلسة الثانية من الندوة الدولية.من الأجنحة المتميزة أيضًا كان الجناح الصينى والذي ضم مجموعة منتقاة من الفنانين الصينيين الذين قدموا أعمالًا طباعية لافتة سواء من حيث الأفكار والموضوعات وحتى تقنيًا.ما ينقص هذه الدورة هو الحاجة إلى تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية تتوازى مع المعرض، لتكون الفعالية ليست مجرد معرض بل منصة حوار فنى وثقافى تعكس قضايا العصر وتطلعات المجتمعات، بالإضافة إلى الحاجة إلى تخصيص مطبوعة نقدية تتناول الأعمال الفنية بالدراسة والنقد وتلفت إلى الأساليب والاتجاهات الحديثة فى مجال الطباعة الفنية.انحاز المحكمون إلى ثلاثة معايير فى الاختيار، الأول: وهو تقديم فكرة جديدة، الثاني: الالتزام بتقنيات فن الحفر، الثالث: تقديم قيمة فنية وجمالية عميقة، وقد جاء العمل الفنى الحاصل على المركز الأول للفنان البولندى وويتشيك تيلبور باسم “أوجينبليك ١ و 2” وهى كلمة ألمانية تتكون من كلمتين بمعنى “لمحة العين” أو “نظرة العين”، وتُستخدم للدلالة على لحظة قصيرة جدًا تعبر عن لحظة تتجاوز الزمن العادي، حيث يتلاقى الماضى والحاضر والمستقبل، هى لحظة وجودية تحمل فيها الحياة معنى حقيقيًا، وتصبح “اللحظة الحاسمة” التي تتطلب اتخاذ قرار أو وعى خاص، كما تشير إلى معنى الحنين إلى الماضى أو الأماكن التي كنا نعيش فيها ولم تعد موجودة، حيث قام الفنان بتصوير مشهد لمنزلين من منظور خارجى بعيد وقد رسمت معالمهما خطوط طباعية راسمًا من تداخلها اقترابًا وابتعادًا معالم لوحته مشيرًا إلى الفرق بين العالم الحقيقى والافتراضى وكأنها خط فاصل مابين الحقيقة والوهم مستخدمًا تقنيات الحفر على الجلد “اللينوكت”. أما العمل الحاصل على المركز الثانى للفنان المصري د.محمد عطية والتي يتناول فيها أحد أشكال ألعاب الفيديو جيم البدائية الشهيرة للأطفال ولكن فى حقيقته تعبير عن الحداد ويلفت فيه بشكل مبسط إلى خطورة الحروب والتي تحولت إلى لعبة لحصد أرواح الأبرياء فى يد مشعليها من السياسيين والقادة حيث يشير إلى ما حدث فى 2023 حينما قتلت الطفلة ريم ذات الثلاث سنوات حفيدة السيد (خالد نبهان) الذي قتل أيضاً فى قطاع غزة وقد وضحت هذه الأعمال الفائزة التداخل بين العالم الواقعى والافتراضى والتهديدات النووية وأعمال القتال المسلح التي تودى بحياة الكثير من الأبرياء خاصة من الأطفال الأبرياء.
العمل الفنى الحاصل على المركز الثالث للفنانة الإايطالية ميرياما بينو والمنفذ بطريقة الحفر الحمضى “ايتشنج” وجاءت الطباعة باللون الأبيض على ورق أسود والذي يحمل اسم ( اليورانيوم 235) فهو يصور مقياسًا بصريًا لقياس الإشعاع معبرًا عن التناقض الإنساني، فتلك المادة كيميائية يمكن استخدامها فى توليد الطاقة ولكنها على جانب آخر يمكن استخدامها فى صنع القنابل الذرية التي تؤدى إلى الإبادة، حيث تعتمد الفنانة على استكشاف العلاقة المعقدة بين الرمز والمشاهد، حيث تصبح النقوش نصوصًا بصرية متعددة الطبقات تدعو إلى التأمل والبحث والتفسير.فى الختام، يمثل ترينالى مصر الدولى السادس للجرافيك 2025 محطة فنية مهمة تعكس عودة قوية لفن الطبعة الفنية فى مصر بعد غياب طويل، مؤكدًا دور الفن كجسر للتواصل الثقافى وتخطى الحواجز بين الشعوب. لقد جسد الترينالى تنوعًا فنيًا وتقنيًا واسعًا، واحتفى برواد الفن المصريين، وفتح آفاقًا جديدة للإبداع والتبادل الفنى على المستوى الدولي. بهذا الحدث، تؤكد مصر مجددًا مكانتها الريادية فى المشهد الفنى العالمي، وتضع أسسًا متينة لمستقبل مشرق لفن الجرافيك والطبعة الفنية فى المنطقة.