أيمن الحسنين يكتب: هل تعكس وسائل التواصل الاجتماعي ما يدور في عقولنا؟ التخاطر في زمن الرقمية

أيمن الحسنين يكتب: هل تعكس وسائل التواصل الاجتماعي ما يدور في عقولنا؟ التخاطر في زمن الرقمية

لطالما أثار مفهوم التخاطر فضول الإنسان، تلك القدرة الغامضة على التواصل بين العقول دون الحاجة إلى كلمات. وفي عصرنا الرقمي، ومع الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي، يطفو على السطح تساؤل جديد يمزج بين الخيال العلمي والواقعية المقلقة: هل يمكن أن تكون منصات السوشيال ميديا قادرة على قراءة أفكارنا الداخلية؟

 يشعر الكثير من مستخدمي فيسبوك، تويتر، إنستغرام وغيرها، بحالة من الدهشة وحتى الرهبة عندما تظهر لهم إعلانات أو اقتراحات لمحتوى يتعلق بأفكار أو مواضيع كانوا يفكرون فيها للتو، أو حتى أشخاص لم يتحدثوا معهم منذ سنوات. هذه “المصادفات” المتكررة تدفع البعض للتساؤل بجدية: هل تجاوزت هذه المنصات حدود جمع البيانات التقليدية وأصبحت قادرة بالفعل على اختراق خصوصية عقولنا؟وهم التخاطر الرقمي: في الواقع، الإجابة العلمية القاطعة لهذا السؤال هي لا. لا يوجد دليل قاطع على أن وسائل التواصل الاجتماعي تمتلك تقنية لقراءة أفكارنا الداخلية بشكل مباشر. ما نشعر به على أنه “تخاطر رقمي” هو في الغالب نتاج خوارزميات معقدة للغاية وتقنيات تحليل بيانات متطورة، تعمل على تجميع كميات هائلة من المعلومات حول سلوكنا الرقمي وتحويلها إلى تنبؤات دقيقة باهتماماتنا ورغباتنا.  كيف تخلق الخوارزميات وهم قراءة الأفكار؟ تحليل دقيق للتفاعلات: كل نقرة، إعجاب، تعليق، مشاركة، وحتى مدة بقائنا على منشور معين، تسجلها الخوارزميات كإشارة دالة على اهتماماتنا. – تتبع عمليات البحث: عمليات البحث التي نجريها داخل التطبيقات أو عبر محركات البحث المرتبطة بحساباتنا تقدم معلومات قيمة حول ما نفكر فيه أو نبحث عنه.   – استخدام ملفات تعريف الارتباط (Cookies): هذه الملفات الصغيرة تتعقب تحركاتنا عبر مواقع الويب المختلفة، وتسجل المنتجات التي نشاهدها أو المواضيع التي نقرأ عنها.   – بيانات الموقع الجغرافي: تحديد مواقعنا الجغرافية يسمح للمنصات بتقديم محتوى وإعلانات محلية ذات صلة.   – تحليل شبكة العلاقات: الأشخاص الذين نتفاعل معهم والأصدقاء المشتركون يقدمون مؤشرات حول اهتماماتنا المشتركة.  -البيانات الديموغرافية والشخصية: المعلومات التي نقدمها عند إنشاء الحسابات تساعد في تخصيص المحتوى. تأثير التفكير الانتقائي والصدفة: يلعب علم النفس دورًا في تعزيز هذا الشعور بالتخاطر الرقمي. نحن نميل إلى تذكر الحالات التي يحدث فيها هذا “التزامن” اللافت للانتباه بشكل أوضح من المرات التي نفكر فيها بأشياء ولا نرى لها أي صلة على السوشيال ميديا. هذا ما يعرف بالتفكير الانتقائي (Confirmation Bias). بالإضافة إلى ذلك، مع وجود مليارات المستخدمين وكميات هائلة من البيانات المتدفقة باستمرار، فإن بعض التطابقات العرضية المدهشة أمر لا مفر منه. -تأثير اللاوعي والمحيط الرقمي: ربما رأيت اسم هذا الشخص أو شيئًا متعلقًا به في مكان ما على الإنترنت أو في محادثة عابرة دون أن تتذكر ذلك بوضوح، وهذا حفز تفكيرك فيه، وفي نفس الوقت كانت الخوارزمية قد التقطت هذه الإشارة بطريقة ما (ربما من خلال بيانات تصفح مرتبطة بحسابك). مثال توضيحي: لنفترض أنك درست مع هذا الشخص في نفس الجامعة قبل سنوات طويلة. قد يكون لديكما العديد من الأصدقاء المشتركين من تلك الفترة على فيسبوك. حتى لو لم تتحدثا مباشرة، فإن هذه الصلة القوية تجعل ظهوره كاقتراح أمرًا مرجحًا عندما تفكر فيه. الشعور بالغرابة: إن هذا النوع من التزامن يخلق شعورًا قويًا بأن السوشيال ميديا “تعرف” ما يدور في ذهنك لأنه يتعلق بشخص محدد تفكر فيه في تلك اللحظة بالذات. ومع ذلك، فإن التفسير الأكثر منطقية يرتكز على وجود روابط وبيانات موجودة بالفعل، تقوم الخوارزميات بتحليلها وتقديم الاقتراحات بناءً عليها. هل يمكنك تذكر أي من هذه الروابط المحتملة بينك وبين هذا الشخص؟ قد يساعد ذلك في فهم سبب ظهوره كاقتراح في تلك اللحظة. الخلاصة: على الرغم من أن الشعور بأن وسائل التواصل الاجتماعي تقرأ أفكارنا قد يكون قوياً في بعض الأحيان، إلا أنه من الضروري أن نفهم أن هذا في الغالب ناتج عن تحليل متطور لسلوكنا الرقمي وقوة الصدفة. لا يوجد حاليًا دليل على وجود تقنية تخاطر حقيقية تستخدمها هذه المنصات. ومع ذلك، فإن القدرة المذهلة للخوارزميات على التنبؤ باهتماماتنا بدقة متزايدة تثير تساؤلات مهمة حول حدود الخصوصية في العصر الرقمي وضرورة فهمنا لكيفية عمل هذه التقنيات وتأثيرها على حياتنا.   ويظل السؤال وتستمر المناقشة  هل يكفي أن تنظر إلي صفحتك على الإنترنت فتظهر لك بيانات من تفكر فيهم حالا ،،،ربما