الفنان عبدالمنعم رياض يتحدث إلى «روزاليوسف»: التصنيفات تزعجني، وأؤمن بأن الممثل المتميز يستطيع أداء كل الأدوار بنفس المهارة.

فنان من الصعب أن تجد له تصنيفًا محددًا قد تظلمه إذا وضعته فى قالب الكوميديا فقط؛ وقد تحد من إبداعه إذا وضعته فى قالب التراجيديا.. هو رجل متعدد المواهب غزير الإبداع؛ يلعب الفنان عبد المنعم رياض الكوميديا بنفس قدر المهارة والإجادة التي يقدم بها أعماله الدرامية شارك مؤخرًا فى أكثر من عمل مسرحى ناجح «خطة كيوبيد»، «العيال فهمت»، ثم «sale» مع النجم سامح حسين..عن الكوميديا وأزمة التصنيف قال رياض فى هذا الحوار..
■ هل تكره التصنيف ولقب كوميديان؟- لا يزعجنى اللقب لكن يزعجنى التصنيف الذي يذهب إلى أشياء ضد طبيعتها أو حقيقتها بمعنى أننا لدينا بعض الناس القادرة على الفصل والوزن بين التصنيفات المختلفة الذين يستطيعون التفريق بين “الفارسير” أو “الكوميديان” أو الممثل الكوميدى؛ هناك اختلاف بين التصنيفات الثلاثة؛ لذلك أخشى أن يتوسموا فى أشياء ليست موجودة حتى أضعها فى ميزانها الصحيح؛ أحب تقديم رواية تحمل موقفًا مبنيًا جيدا ومن خلاله يخرج الضحك لأننى هنا مسنود على بناء درامى وحكاية يطلع منها كوميديا؛ بينما الضحك المجانى هناك غيرى بارع فيه لذلك أقلق من التصنيف؛ وأحب أكثر أننى ممثل كوميدى وليس كوميديانا أو ممثلا فقط أستطيع القيام بأى شيء.■ هل كل ممثل جيد قادر على لعب الكوميديا؟ – على حسب أدواته هذا جزء أساسى من أدواته، هناك ممثلون كبار وأساتذة كبار لكن حرفية الضحك غير موجودة؛ يحب الضحك لكنه لا يجيد صناعته أو يرى أنه ليس من أدواته، يحب أكثر التركيبات الصعبة الأعمال القيمة وقد يرى الضحك تفاهة؛ وآخرون منحوا الوعى بأن قدرة توصيل الرسالة تصلح من الكوميديا وغيرها؛ الفيصل العمل الفنى الحكاية.. هل العمل الفنى يقتضى ذلك أم العكس الممثل يقوم بكل شىء لكن هناك ممثلاً لا يسير فى طريق الضحك لا يحبه لكن بصراحة الممثل لا بد أن يقوم بكل شىء.■ تقول إنك لا تحب أن تصنف كوميديان.. هل الكوميديا غير مقدرة أو لا تؤخذ على محمل الجد؟-من المفترض أن تعاقب الأجيال يخلق حالة من التطور كل شىء لا بد أن يتطور؛ بينما الضحك خلال السنوات القليلة الماضية تعرض للتجريد من الضحك الحقيقى؛ وماذا يعنى الضحك الحقيقى لدينا ما يسمى بالدراما إما كوميديا أو تراجيديا؛ فى النهاية هى حكاية أو حدوتة هناك مشاريع فنية تطرقت للضحك من باب أنه ضحك فقط السوشيال ميديا أصبحت مجالا لصناعة الضحك؛ السخرية الموجودة عليها أصبحت تؤخذ ويتم فردها ومطها وتوليف ضحك عليها وبناء أعمال مسرحية من خلالها؛ هذا يضر بالعمل الفنى ولن يضيف له شيئاً تكتفى بأنك صنعت حالة من البهجة للجمهور دون إفادة؛ فى أساس الشغلانة مثلما أن التراجيديا نابعة من الدراما الكوميديا كذلك لا بد أن تنبع من دراما مكتوبة جيدًا غير أن البعض يقول: إننا لا نقدم دراما وهذا غير صحيح؛ التراجيديا تخاطب وعى الناس ومشاعرهم وأحاسيسهم؛ بينما الكوميديا تخاطب العقل وليس مجرد “زغزغة” الممكن أن تكون مهمة فى وقت محدد؛ لكن ليس هذا هو النموذج؛ الجيل الحالى مظلوم لأن لديه خلطًا بين الكوميديا ومجرد الاسكتشات المضحكة غير المبنية على دراما بالنسبة له هذا هو الضحك؛ ملكات الفنان تظهر فى كيفية الاستيعاب لذلك وكيف تقوله بطريقتك وتوصله للجمهور..كيف تضع لمستك لا بد أن يكون هناك بناء درامي؛ الكوميديا فى زمن مضى كانت تتتناول موضوعات شديدة الأهمية والحساسية وتصنع من خلالها ضحكا حقيقيا.■ فى رأيك لماذا استمر الضحك بنفس القدر على هذه الأعمال الفنية؟- لأن القائمين على هذه الأعمال كان لديهم وعى كبير بأنهم يقدمون موضوعا مهما للغاية لكن بخفة دم وكوميديا وبالتالى يكون تأثيره أكبر؛ ما يمس الشعور قد يثير الضيق والاكتئاب بعدها بيوم أو اثنين لكن ما يمس عقلك يجعلك تفكر كثيرًا؛ فى «سك على بناتك» ومعظم أعمال الراحل فؤاد المهندس وغيره يناقش قضية مهمة جدًا عن طريق الكوميديا، كما أن لديه الوعى أن الاستغراق فى الضحك نابع من الموقف لكن ليس مجرد موقف مجانى أو منفصل عن الدراما، مشهد الضرب الخطير بين الأب وابنته .. قدم مشهدا مميتا من الضحك لأن كل ما يحدث فى المشهد غير طبيعى وبالتالى الضحك نفسه غير طبيعى! ..أكثر من الطبيعى بزيادة هو الموقف نفسه غير طبيعي.. الجميع مدرك حساسية ما يقدمه كان لديه من الثقافة والوعى بالضحك ليس عند الجميع. ■ هل وعى الممثل ومستوى إدراكه يصنع فارقاً فى صناعة الضحك؟- الوعى يفرق كثيرًا لكنه لا يبنى فى يوم وليلة لأننى لا أولد بالوعى لكن لا تتوسم فى أننى فنان جيد لا يمكن أن تتركنى أفعل ما أشاء بمفردى، أرى أن المسألة مسؤولية متبادلة؛ فى البداية هى مسؤولية المخرج ثم الممثل؛ الممثل لو شطح بخياله لا بد أن يكون هناك قائد للعمل يفرمله، ينتقى من إضافات الممثل ما هو ملائم للعمل الفنى والدراما؛ بحيث لا يبعد الجمهور عن مركز الحدث الرئيسى وفى النهاية ليس هناك ممثل مؤثر دون خبرة إنسانية، الخبرة الإنسانية كنز الممثل؛ كما أن الجمهور عندما يتوقعك قد يصبح العمل غير مثير للضحك.■ هل ترى أن الكوميديان عليه عبء الإضافة على الشخصية أو الورق اثناء البروفات؟- أحيانا وهذا غير صحيح أحيانًا.■ هل لا بد من تدخل الكوميديان بالارتجال؟- المسألة تقوم على ترتيب مسؤوليات، لست مسؤولًا عن التأليف؛ الممثل لا يقوم بدور المؤلف، لا بد أن يكون لدى المخرج وعى بالنقص فى الورق وكيف يصلحه؛ وبالتالى تسير العملية الفنية فى إطار صحيح، من الممكن أن يحتاج الموقف بعض الإضافات لتوضيحه أو تأكيده، قد يكون واضحا بدرجة فجة جدا؛ وقد لا تتناسب بعض الإضافات مع البناء الدرامى فيتم حذفها وهذا حدث فى أعمال كثيرة.■ هل الكوميديان طماع؟- بالتأكيد لأن الكوميديا أكثر أنواع الدراما التي يحدث فيها تفاعل لحظى؛ الشخصيات الميلودرامية نادر ما تحظى بتفاعل لحظى من الجمهور؛ بعكس الكوميديا؛ وهناك انفعالات كثيرة تحدث للكوميديان أثناء احتكاكه بالجمهور؛ كما أن طمأنينة الكوميديان جزء من الطمع بمعنى أن هذه الطمأنينة تخوف لأنه اعتاد الحصول على الضحك بإفّيه معين بشكل يومى؛ وقد يأتى عليه وقت لا يستطعم الإفيه فيلقيه بشكل عادى أو تتابع الموقف الذي يصل إلى لحظة إلقاء الإفيه على مدار المشهد لم يأخذ حقه؛ وبالتالى لم يحدث رد الفعل المتوقع يوميًا لأنه أصبح غير مجتهد فى إلقاء نفس الإفيه مثل أول مرة؛ لذلك لا بد أن يركز الكوميديان على أن يكون حيويًا؛ ويحاول ضبط الإضافات والتفاعل مع الجمهور بميزان حساس.■ هل أثناء حالة السخونة بالتفاعل، الجماهير تستطيع أن تزن حالة الاندماج؟- الموضوع صعب للغاية.. إذا عدنا للأصول كل ما هو متفق عليه هو ما يتم تقديمه على خشبة المسرح مع المخرج وزملائى، لكن أحيانًا يمنح المخرج مساحة حرة للممثلين أن كان المشهد يحتمل بعض الإضافات، هذا يحدث فى البروفات عادة، وأوقات يحدث أن يسخن الممثل فيكون غير مستحب إذا لم يكن متفقاً عليه.. الموضوع قائم على الوعى، أحيانًا قد أقف بجانب بعض الممثلين وأخشى اللعب فى هذه المنطقة لأنه لن يسندنى، أو أن الكوميديا ليست من الأدوات التي يلعب بها من الأساس.■ إذن كيف كان الوضع مع رامى الطمبارى فى “العيال فهمت”؟- رامى ممثل مهم وله ثقل على المسرح استطاع صنع الضحك من شدة الجدية؛ رامى لديه سرعة بديهة هو البطل هو العقل النابض للحكاية والموضوع؛ هو رمانة الميزان بالعرض أتت لى أشياء على الهوا قد أمسك نفسى وأحيانًا لا أستطيع، أضفت الكثير بجانبه وهو يجيبنى بمنتهى الجدية؛ لا بد أن يكون أمامى ممثل متمكن فى استقبال ما نفعل بشكل مفاجئ على المسرح؛ رامى لا ينجرف لكن رد فعله يعلى الإفيه الذي جاء مفاجئًا ولا يظهر للناس أن هذا إفيه جديد يستقبل هذا بمنتهى الطبيعية «يعلى» وقد يقول جملة عادية مثيرة للضحك من عمق الشخصية؛ رامى أخذ راحتى أمامه؛ أشبه الإفيه بسرعة السيارة هناك إفيه فى المسافات الضيقة.. وآخر تم التمهيد له بهدوء شديد.. وآخر يقال على الثالث.. أو الرابع.. أو الخامس.. أو الأول لا بد من ضبط إيقاع القاء الإفيهات بالعرض حتى تخرج منضبطة وتؤتى ثمارها من الكوميديا.■ هل المؤلف يتمتع بمرونة فى تقبل طموح الكوميديان لصناعة الضحك؟- لم اصطدم بمؤلفين كثيرين فى هذه المسألة لأن اليوم فى هذا العصر لم يتابع المؤلف الورق مثلما كان يحدث من قبل؛ وأتذكر أننى تعاونت مع المؤلف لينين الرملى فى تجربة “اخلعوا الأقنعة” عام 2005 كان يجلس على الكلمة؛ كان مدرسة تعلمت منه الكثير وأسهم فى تشكيل وعيى فى بداياتى الأولى بشكل كبير؛ كان رجلًا شديد الجدية فى عمله ولا يتهاون؛ فى البداية لم أكن ألعب بطولة العرض بعدها أسند لى دور البطل علاء الدين وأتذكر أنه كان يسمح لى ببعض الإضافات البسيطة المتفق عليها بيننا، لكن فى مشهد الختام كان شديد الحرص على أن يخرج كما كتب بالضبط بتقطيع وإيقاع محدد لأنه يريد إيصال رسالة محددة، ووقتها أغلق على غرفة البروفات وطلب منى إلقاء هذا المشهد كما أراده بالضبط دون حذف أو إضافة أو تجويد مني؛ لأن “الفينال” له تكنيك محدد فى الإلقاء وإيقاع الكلام؛ لينين الرملى مؤلف استثنائى لا يشبه أحداً، تعلمت منه ومن صبحى، دخلت مطبخ الاثنين وتعلمت كيف تصنع الكوميديا.■ فى رأيك هل تغير شكل الضحك اليوم؟- الضحك تغير بسبب السوشيال ميديا أصبح سريعا ومتوقعًا؛ ضحك غير مبنى على شىء؛ مبنى على مجرد اسكتش موقف صغير؛ بينما من قبل كان الضحك أصيلًا مبنيًا جيدًا على دراما محكمة الصنع.