المهندس أمجد المناوي يكتب: كما تزرع تحصد.. وعد الحياة المتوازن

تدور عجلة الحياة بميزان من العدل الدقيق، لا يحابي أحدًا ولا يجور على أحد؛ وفي هذا الكون الفسيح، تجري السنن الإلهية بثبات وصرامة، فتسقي كل إنسانٍ من كأس ما زرعته يداه، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر؛ هذه السنن ليست قوانين جامدة، بل ناموس حيّ ينبض بالحكمة، ويشكّل خريطة الطريق لمسيرة البشر فوق هذه الأرض؛ وكما قال الأوّلون: “من زرع خيرًا، جنى ثماره”، وهذه قاعدة لا تحيد، تسري في أدقّ تفاصيل الحياة وأبسط المواقف.
إنّ نية الإنسان هي البذرة الأولى، ومنبع الطريق، ومفتاح المصير؛ ما يحمله القلب من مشاعر وما يمتلئ به العقل من أفكار، يفيض على الجوارح أفعالًا، وتُترجم إلى واقع ملموس. فحين يُزرَع في القلب خيرٌ، تنبت على الأرض سعادة، ويعمّ في المحيط طمأنينة واستقرار؛ أمّا إذا كانت البذور مسمومة، نابعة من شرّ أو كراهية أو ظلم، فإنّ الحصاد لا يكون إلا ألمًا، ومعاناةً، وانكسارًا لا يُجبر بسهولة. ولا يقتصر أثر هذا الزرع على الفرد وحده، بل يمتد ليطاول المجتمعات والأنظمة والأمم بأسرها؛ فعندما تُبنى العلاقات بين الناس على العدل والمحبّة والنية الصافية، تثمر المجتمعات سلامًا داخليًا وخارجيًا، وتفتح أبواب الخير على مصراعيها؛ أمّا حين تُخرق أسس العدالة، وتُدهس الحقوق، ويتصدّر المشهد أصحاب المصالح والأهواء، فإن الفساد يتفشّى، وتنكمش مساحات الأمل، وتبدأ رحلة المعاناة الجماعية. العدالة، في جوهرها، ليست مجرّد مبدأ قانوني، بل هي قيمة إنسانية نبيلة، تخرج من نوايا الإنسان وتنعكس على أفعاله؛ من تعامل مع الناس بحُسن نية، عاد إليه الخير مضاعفًا، في أقوالهم وأفعالهم ودعواتهم؛ ومن أطلق نوايا الشر والأنانية، ارتدّت عليه آثارها، ولو بعد حين، في شكل تدهور للعلاقات، وتفاقم للتحديات، وانطفاء للبركة في كل شيء. إن رسالة الحياة واضحة لا لبس فيها: كلّ ما تزرعه يعود إليك، شئت أم أبيت؛ خطواتك قرارات، وقراراتك بذور، وأيامك حقول تنتظر الغرس؛ فازرع الطيب، تجنِ السعادة؛ وابتعد عن الفساد، تسلم من عواقبه؛ لا شيء يضيع، ولا نية تُنسى، فالحياة تحفظ كل ما نفعله، وتردّه إلينا وقت الحصاد، بلا زيادة أو نقصان. خلاصة القول: لننظر إلى الحياة بعيون الحكمة، ولنملأ أيامنا بعدل النوايا ونقاء السرائر؛ لنزرع الخير حيثما استطعنا، ونحسن الظن، ونصدُق القول، ونخلص العمل. فكل ما نغرسه اليوم، سنحمله غدًا؛ ومهما طال الزمان، سيعود الخير لصاحبه، والشر إلى منبعه؛ فاختر زرعك، فهو قدرك.