د. حنان الزبلاوي: آفاق مهنة التمريض في مصر… أساس التطور الصحي في الجمهورية الجديدة

د. حنان الزبلاوي: آفاق مهنة التمريض في مصر… أساس التطور الصحي في الجمهورية الجديدة

في عالم تتسارع فيه وتيرة التحديات الصحية، لا يمكن لأي منظومة صحية أن تصمد دون تمريض قوي ومؤهل ومدعوم، فالتمريض هو قلب المستشفى النابض، وركن الرعاية الأول، وصوت المريض حين يعجز عن التعبير لذلك فإن أي استثمار في هذا القطاع هو استثمار في أمننا الصحي القومي.

والحديث عن مستقبل التمريض في مصر ليس مجرد تناول لمهنة تقليدية، بل هو استشراف لدور محوري في بناء منظومة صحية متكاملة، قوامها الإنسان، وأداتها المعرفة، وغايتها الارتقاء بجودة الحياة، ولم يعد التمريض اليوم عملا تابعا أو مكملا للطب، بل أصبح علما مستقلا، ورسالة ذات أبعاد إنسانية وعلمية واجتماعية، تتقاطع مع جوهر الرعاية الصحية الشاملة، التي تسعى الدولة لتحقيقها في إطار “رؤية مصر 2030”.في العقود الماضية، شهدت مهنة التمريض تطورا ملحوظا على المستويين الأكاديمي والميداني، وأصبحت كليات التمريض منارات علمية تخرج الكوادر القادرة على القيادة، لا فقط تقديم الخدمة، ويعتمد التمريض الحديث على مزيج دقيق من المهارات الفنية، والمعرفة الطبية، والقدرة على اتخاذ القرار، والذكاء العاطفي في التعامل مع المرضى، وهو ما نعمل على ترسيخه عبر برامج تعليمية متطورة ومناهج تواكب المستجدات العالمية.إن الانطلاقة نحو مستقبل مهني واعد تبدأ من التعليم، وقد أصبح لزاما علينا تطوير منظومة التعليم التمريضي بما يواكب المتغيرات الصحية والتكنولوجية و نحن لا نعد مجرد ممرضين، بل نعد قادة صحيين، وباحثين، ومطورين لأساليب الرعاية وهذا لا يتم إلا من خلال مناهج تدمج بين النظري والعملي، وتحرص على صقل الشخصية الإنسانية والعلمية للطالب من خلال التدريب العملي في المستشفيات الجامعية، وإعداد الطلاب لمواجهة الواقع بكل تحدياته كما نشجع على البحث العلمي، ونوفر بيئة أكاديمية تدعم الإبداع والتطوير الذاتي.العصر الحديث لا يعترف بالنمطية، والتمريض الحديث يتطلب التخصص الدقيق لمواجهة تعقيدات الرعاية الصحية و من هنا تظهر الحاجة إلى إنشاء تخصصات تمريضية نوعية مثل تمريض الحالات الحرجة، وتمريض الأورام، وتمريض المجتمع، وتمريض الصحة النفسية، وتمريض المسنين، وغيرها.إن التخصص لا يعني فقط المهارة، بل يعني الوعي العميق بطبيعة المريض واحتياجاته، والاستعداد للتعامل مع كل موقف بخبرة ومعرفة ونعمل علي إدخال هذه التخصصات في برامج الدراسات العليا، ونأمل أن تتحول إلى مسارات مستقلة تمنح للطلاب منذ سنواتهم الأولى.من أهم ركائز مستقبل التمريض هو الإيمان بأن التعليم لا يتوقف عند التخرج فالتطور المستمر في العلوم والتكنولوجيا الطبية يفرض علينا أن نخضع الكوادر التمريضية لبرامج تدريبية دورية، تواكب المستجدات وتنمي المهارات،ةوتتعاون كليات التمريض مع وزارة الصحة والمستشفيات التعليمية لتقديم برامج تدريبية حديثة، تعزز من قدرة الممرضين والممرضات على الاستجابة للمواقف الطارئة، وتحسين جودة الخدمة، وتطبيق معايير السلامة المهنية.لا يكتمل أي حديث عن مستقبل التمريض دون التوقف أمام الصورة الذهنية للمهنة و ما زال المجتمع بحاجة إلى مزيد من الوعي بقيمة التمريض، ودوره الحيوي، وتأثيره المباشر على صحة الأفراد وجودة الرعاية و من الضروري أن نعزز هذه الصورة في الإعلام، وفي التعليم، وفي الثقافة العامة، كما أن تحسين الأوضاع المهنية والوظيفية للعاملين بالتمريض، من حيث المرتبات، وفرص الترقي، والدعم النفسي، من شأنه أن ينعكس على أداء المنظومة ككل، ويسهم في جذب الكفاءات الشابة للمجال.ختاما…إن مستقبل التمريض في مصر مرهون بقدرتنا على الجمع بين الجهد الأكاديمي، والدعم المؤسسي، والوعي المجتمعي و نحن أمام فرصة ذهبية لصياغة واقع جديد لمهنة التمريض، يجعل منها نموذجا للتنمية المستدامة، ومصدرا للفخر الوطني، ونحن نؤمن أن الممرضة والممرض هما عنوان الرحمة، ورسول العلم، وبناة الأمل وسنظل نعمل بكل ما نملك من علم وخبرة وإرادة لصناعة أجيال من الممرضين القادرين على قيادة التغيير، وخدمة الإنسان، ودعم الوطن في رحلته نحو التقدم والازدهار. عميد كلية التمريض بجامعة بني سويف