المشروع العصري في الفكر العربي الحديث

المشروع العصري في الفكر العربي الحديث

بداية لا بد أن نشير إلى أمر مهم، هو أن هذا العنوان ليس من عندياتي، وإنما هو عنوان لرسالة ماجستير ناقشتها في كلية الآداب، جامعة المنصورة، قسم الفلسفة مطلع هذا الأسبوع وبالتحديد يوم السبت الموافق 24/5/2025، بإشراف الأستاذ الدكتور عادل بدر أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب المنصورة، والدكتور هشام إبراهيم مدرس الفلسفة الإسلامية بذات القسم والكلية، وزاملني في لجنة المناقشة الأستاذ الدكتور عادل عوض أستاذ المنطق ورئيس قسم الفلسفة بآداب المنصورة.

 هذه الرسالة للدارسة أسماء محمد إبراهيم هذه الدارسة إلى جانب خصالها الحسنة وأخلاقها الرفيعة جمعت إلى جانب محبة الفلسفة وعشقها لفكرنا العربي الحديث والمعاصر، اهتمامها بتراثنا الحضاري وموروثنا الفكري المعتبر، فضلا عن منهجيتها المنضبطة في البحث العلمي.  فقد درست هذا الموضوع من خلال ثلاثة مفكرين من طراز فريد، كل واحد منهم مدرسة بذاتها تحمل اتجاه مختلف عن الأخرى فى تصوراتها وطرحها للقضايا، وكيفية معالجتها إياها.هؤلاء المفكرون هم عبدالله العروي ، ومحمد عابد الجابري، وطه عبد الرحمن.وقد ناقشنا الدراسة حوالي ثلاث ساعات وربع، بين أخذ ورد حتى جرى النقاش أيضا بين الأساتذة على المنصة لأهمية الموضوع، وهذا ما أكسب للمناقشة حيوية وديناميكية واستمرارية حتى جمهور الحضور تفاعل مع المنصة.وتكمن أهمية هذا الموضوع في ما يلي، البحث من الموضوعات المعاصرة في فكرنا العربي، حررنا من المدرسية الكلاسيكية التقليدية التي اعتمدت على القص واللصق دونما إبداع أو ابتكار، وهذا لا يجوز ونحن في عصرنا الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الجبارة ، فلابد أن تواكب موضوعات دراساتنا كل جديد.تلك الكلاسيكية التي عرضت الفلسفة للهجوم الشرس وأنها عديمة الفائدة، ومن ثم ينبغي قتلها أو على أضعف الإيمان طرحها أرضا.فجاء هذا الموضوع حاملا بصيص أمل في غد مشرق للفلسفة قائلا للجميع ها نحن ما زلنا متواجدين ولا يمكن الاستغناء عنا ولا يمكن أن تقوم قائمة للعلوم الإنسانية إلا من خلال التفلسف والعقلنة والتدبر ، فالفلسفة منهج حياة تأملي قائما على الاعتبار (فاعتبروا يا أولي الألباب).أيضا هذا البحث جاء في مجمله متناسقا في موضوعاته مقدما تعريفات للحداثة على وجه العموم وانطلق من هذه التعريفات إلى الحديث عن هل من الممكن إقامة مشروع حداثي مواكب لروح العصر، مشروع يسير جنبا إلى جنب مع الفكر العالمي المعاصر، وقد اختلفت الرؤى حول هذا الموضوع بين هؤلاء المفكرون الثلاثة، فنجد العروي يريد حداثة بعيدة عن تراثنا الحضاري والتخلص من الماضي وعدم التمركز حوله، أما الجابري فرفض هذا التوجه على استحياء ، فتأرجح بين القبول، والرفض مما جعلني شخصيا أحكم على مشروعه بالفشل،أما طه عبد الرحمن فجاء موقفه صريحا فقال إنه لا يمكن قيام مشروعي حداثي عربي معاصر بعيدا عن تراثنا وعن حضارتنا.والرأي عندي حول هذا الموضوع مختلفا عما يذهب إليه البعض من أنه لا يمكن قيام نهضة حداثية عربية بمعزل عن الحداثية الغربية ، نقول نعم، لماذا ؟! لأن الفكر سلسلة متصلة الحلقات، وأحياءا لظاهرة التأثير والتأثر، فلماذا لا أناقش الآخر الغربي، واستفيد منه وآخذ ما يتوافق معنا وأطرح ما يتعارض مع قيمنا ومبادئنا.نأخذ الصالح الذي يدفعنا إلى الأمام وإلى التقدمية، ونطرح الطالح الذي يعود بنا قهقريا إلى الخلف، فلا يمكن بحال من الأحوال أن نظل متمركزين حول ذواتنا مسبحين حامدين شاكرين حضارتنا، ولا نتقدم قيد أنملة، وهذا سبب رئيس في النكبة والنكسة الارتدادية الفكرية ، فبات العالم منطلقا إلى الأمام ، ونحن غارقين في ماضينا فلماذا لا نمد أيدينا إلى تراثنا ونستخرج منه درره ومكنوناته حتى نواكب ركب التقدم والمدنية الحديثة والمعاصرة والحداثة وما بعد الحداثة.أيضا البحث اعتمدت فيه الدارسة على عدة مناهج هي روح الفلسفة، المنهج التحليلي، المنهج المقارن، المنهج النقدي ، الذي أظهر شخصية الدارسة النقدية والبحثية، فالنقد روح التفلسف، ليس الفلسفة فقط وإنما روح أي عمل جاد سواء كان نقدا أدبيا أو نقدا علميا، المهم ألا يتحول إلى نقض، فبدلا من التقويم والتشييد والبناء، يصبح معول هدم، لكن الدارسة أثبتت نفسها وأظهرت شخصيتها من خلال نقدا بناءا وذلك عندما تعرضت لآراء هؤلاء المفكرون.كذلك من منهجيات البحث العلمي التي وجدتها في هذه الرسالة، أن الدارسة تحررت من سلطة وسيطرة النصوص عليها، بمعنى أنها لم تهاب وتخشى التعامل مع النص، وهذا قلما نجده فى الرسائل العلمية ، فكثيرة هي الرسائل التي ناقشناها.نصوص كثيرة دونما شرح وتحليل ونقد، فيغرق الدارس في هذا الخضم الهائل من النصوص كأنه يخوض بحرا لجي فلا يستطيع أن يصل إلى شاطئه أبدا من شدة ظلماته الحالكة، فيخرج العمل مفعما بالتخمة متضخما لا نخرج منه بشيء اللهم إلا كم هائل من الصفحات التي ترهقنا من أمرنا عسرا وترهق أرفف المكتبات من ثقل حملها عليها.كذلك جاءت نتائج الدارسة ماتعة حققت ما نصبو إليه وما كنا نكافح من أجله، فدوما ما كنا ننادي ونقول، نتائج البحث ليست تلخيصا للبحث وإنما ضرورة ملحة أن تكون أطروحات لأفكار تصلح لرسائل علمية جادة، لكن نتائج هذه الدراسة حققت مرادي على المستوى الشخصي .إن هذا العنوان، عنوان الدراسة يحمل ما يحمله من صحوة فكرية قادمة في دراساتنا وبحوثنا المستقبلية التي ستعيد للفلسفة عامة هيبتها وجمالها ووقارها، وستعيد للفكري العربي المعاصر معاصرته لكل ما هو جديد.فمعين فكرنا العربي المعاصر خصب لا ينضب أبدا، وشاهدي على ذلك المؤتمرات التي تشرع في تنظيمها كلياتنا وجامعاتنا في ما يتعلق بالعلوم الإنسانية والذكاء الاصطناعي، لماذا ؟! لنثبت للجميع أن فكرنا العربي المعاصر وفكرنا المصري المعاصر وأقسام الفلسفة في جامعاتنا لا تزال بخير.حقا عنوان جاد ورسالة جادة تستحق القراءة وتستحق التقدير الذي حصلت عليه، فقد حصلت الدارسة على تقدير امتياز.  أستاذ الفلسفة بآداب حلوان