سماء زيدان تكتب: “كأنني أرى نفسي في المرآة”

في المسافة بين حضن جدة فارغ وحضن أم تنتظر، وقفتُ أنا.. أمسك قلبي بيدي كي لا ينفلت. فقدت ابنتي جنينها، وبكت بكاءً أعرفه.. لا يشبه الحزن العادي، بل ذاك الذي يسيل من الجذر، من مكان عميق لا يُرى ولا يُشرح ولا يُطبّب.. مسني حزنك يا بنتي قرأته في كسرة صوتك وتنهد قلبك وأنت تبلغينني بنظرات عينك الملتاعة أننا فقدنا جنيننا.
جلستُ أمامها في المستشفى أراها لا أم موجوعة بل كطفلتي الكبيرة، طفلتي التي كانت تبكي لأنها أضاعت دميتها الصوفية المحشوة بالقطن، كانت تصر أن تنام معها، حتى في حرارة الصيف، تطعمها، تمشط لها شعرها القطني، وتغار عليها من إخوتها، تلك الدمية البيضاء كانت أول تمارينها على الأمومة، أول اعتماد شيء صغير عليك، لا حيلة له، لا يتكلم، يحتاج الحماية والأمان.ابنتي.. بل مرآتي. تربطني بها خيوط غير مرئية، لو وضعت يدها على بطنها أفعل مثلها وإن لم أحرك يدي، ولو شعرت بالدوار يدور رأسي معها في اللحظة ذاتها. الرابط بيننا صار أقوى من الكلمات، وأرهف من الصوت، رابط يشبه بكاء رحمها على نطفته. يقولون “الضنا قطعة من الكبد تمشي على الأرض وأنا الآن أفهم، أن قطعة الكبد حين تتألم تحرق القلب.قالت لي: “ماما، كنت حاسة إني بقيت أم خلاص”.فابتسمت وفي قلبي شهقة: “أنتِ أم، منذ ولدتي…”أنتِ أم لأنكِ أحببت، لأنك انتظرتِ، لأنكِ حزنتِ حزن الأمهات.ابنتي فقدت جنينها.. لكنها لم تفقد شيئًا من أمومتها. ما زالت أمامي أم لي وأم لأخوتها وأم لأبيها وأم لزوجها، تلك الصغيرة التي خبّأت الدمية تحت الغطاء، وبنت لها بيتًا من الوسائد.ما زالت حين أبكي تمسح دموعي وتقول لي: “أنا كويسة يا ماما، بس قلبي وجعني شويّة”.ابنتي وجعها الآن صار وجعي.وصوتها في البكاء يشبه صوتي حين تأخرتُ يومًا في العثور عليها.. وكنت أنا التي تبكي.ابنتي فقدت جنينًا لكنها اقتربت من ذاتها أكثر، لم تعد ابنتي فقط بل أصبحت أقرب إليّ مما كنت أتخيل، بيننا إرث واحد وتاريخ مشترك، تاريخ الأمومة وإرثها، الله الخلاق الله الوهاب هكذا نسبح سويا بلسان واحد وهكذا تسبح قلوبنا، الله قريب وما زالت الأيام تحمل لنا كل جميل.