تصرفات معالي الرئيس

تصرفات معالي الرئيس

يقيني أن السلوك غير الدبلوماسي الذي يمارسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة العالم، بات في حاجة إلى تدخل علماء الطب النفسي والاجتماع، لدراسة الحالة غير المسبوقة من الصراعات والمشادات الكلامية العلنية، التي يشهدها المكتب البيضاوي أمام أجهزة الإعلام؛ مما أجبر العشرات من الزعماء على تجنب زيارة الولايات المتحدة، أو الاستعداد باستراتيجيات دفاعية قبل لقاء ترامب.

 ففي نهاية فبراير الماضي، شهد البيت الأبيض مواجهة عاصفة أمام وسائل الإعلام، شنّ خلالها ترامب ونائبه هجومًا حادًا على الرئيس الأوكراني، متهمين إياه بالقيام بجولات دعائية، وعدم إظهار الامتنان لأمريكا، والمقامرة بإشعال حرب عالمية ثالثة، انتهت بمغادرة زيلينسكي للبيت الأبيض وحيدًا دون وداع، أمام عدسات المصورين. المشهد الذي وصف بـ”الكمين” المتعمد وغير المقبول، تكرر مع أكثر من زعيم بعد زيلينسكي، حيث وجد رئيس الوزراء الكندي مايك كارني نفسه في موقف حرج للغاية، بعد أن بادره ترامب برغبته العلنية في ضم كندا للولايات المتحدة، لتصبح الولاية رقم 51، وقال له بعنف: “لا تقل أبدًا أبدًا”، غير أن كارني كان أكثر عنفًا وردّ بحزم: “أبدًا هو أبدًا”. السلوك العدائي المحرج الذي يتبعه ترامب تكرر أيضًا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي فوجئ هو الآخر بإطلاق ترامب سيلًا من الاتهامات تتعلق كذبًا بمنح أوروبا قروضًا لا مساعدات لأوكرانيا؛ مما دعا ماكرون إلى الخروج عن الأعراف الدبلوماسية والانفعال، ووضع يده على ذراع ترامب، ونفى تلك الاتهامات بعنف أمام وسائل الإعلام. ولأن قادة العالم باتوا على علم بمدى عدوانية معالي الرئيس، فقد اضطرت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني إلى مقاطعة مترجمتها، خلال اللقاء الذي جمعها بالرئيس الأمريكي، والتحدث إليه بشكل مباشر بالإنجليزية، خشية أن يُسيء فهم فكرتها حول الإنفاق الدفاعي. الغريب أن رئيس أكبر قوة في العالم عاد وكرر ذات المشهد الهزلي، خلال اجتماع ثنائي جمعه بالرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، الذي فوجئ بأنه مطالب أمام العالم بالرد على سيل الاتهامات التي يكيلها له ترامب، بارتكاب إبادة جماعية للمزارعين البيض، مما دعا رامافوزا للنفي، والسخرية من ترامب قائلًا: “للأسف، لا أملك طائرات لأهديها لك”، في إشارة واضحة للطائرة التي منحتها له قطر. العجيب أن أغلب القاءات الجدلية للرئيس الأمريكي كانت في حضور نائبه جيه دي فانس، ووزير خارجيته ماركو روبيو، اللذين حرصا على التدخل لصالحه، وكأنهم جميعًا على قناعة بأن تلك المشاهد الهزلية تزيد من هيبة أمريكا، دون وعي بحالة القلق التي انتابت الدبلوماسية العالمية جراء تلك السلوكيات، بل ومناقشتها كتحدٍّ يستوجب التعامل معه.  الواقع يقول إن سلوك ترامب، الذي يمتزج بين الاستعراض والضغط السياسي الحرج، أجبر كثيرًا من الزعماء على التراجع عن زيارة البيت الأبيض، ووضع البعض الآخر أمام خياري الصمت والحرج أمام العالم، أو الرد وتحمل نتيجة تدهور العلاقات مع واشنطن.المؤسف أن السلوك الفوضوي الذي ينتهجه ترامب يحدث في توقيت يعيش فيه نشوة لم يسبقه إليها رئيس أمريكي، نتيجة لحالة “النفخ” غير الطبيعية من فريق البيت الأبيض، الذي وصل بهم حد الهوس، إلى نشر صور الرئيس مرتديًا تاجًا ملكيًا تارة، وعلى كرسي بابا الفاتيكان تارة أخرى.  غير أن ما يزيد الأمر أسفًا، أن ترامب ما زال لا يدري أن سلوكه بات يهدد مكانة أمريكا، ويقلّص فرص الحوار مع زعماء يحظون بثقل عالمي، بل ويرفع من أسهم قوى مثل روسيا والصين، لاسيما بعد استطلاعات الرأي التي أكدت انخفاض الصورة الإيجابية لأمريكا في العالم من 76% إلى 45%، وتمتع الرئيس الأمريكي بصورة سلبية في 82 دولة من أصل 100 دولة، مما يعزز الحاجة لتدخل علماء طب النفس والاجتماع لدراسة سلوكه العدواني.. وكفى.