عاجل | د. مصطفى الفقي يتناول رؤية مكرم محمد أحمد

تذهب المناصب.. ويفنى الجسد.. وتبقى السيرة الطبية، والمهنية، هذا ملخص المقال الذي سطره اليوم الدكتور مصطفى الفقي، ونشره على صدر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عن الكاتب الراحل الكبير مكرم محمد أحمد.
يقول الفقي في مقاله: ربطتني بالكاتب الراحل الكبير مكرم محمد أحمد صلة قديمة ترجع إلى مطلع سبعينيات القرن الماضي، وكانت أول مرة التفت فيها إلى مكانته الصحفية الرفيعة هي عندما أصدر وزير الخارجية المرموق في تاريخها إسماعيل فهمي – الذي كان بدرجة نائب رئيس وزراء – أمرًا دوريًا لأعضاء السلك الدبلوماسي لقراءة مقالٍ لصحفى شاب هو مكرم محمد أحمد بعنوان “الهجرة اليهودية إلى إسرائيل”، ثم توطدت علاقتي بذلك الكاتب المتميز من خلال عملي في مؤسسة الرئاسة وعمله رئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال ونقيبًا للصحفيين بعد ذلك. وأذكر أنه ذات صباح من نهاية تسعينيات القرن الماضي استقبلت مكالمة هاتفية من صديقي الأستاذ مكرم وأنا سفير في فيينا، وقال لي يومها إن هناك مأزقا لدى نقابة الصحفيين ولكن جزءًا كبيرًا من الحل فى يدك، فأبديت دهشة لذلك، ولكنه استطرد قائلاً: لقد علمنا أنك حاليًا من أقرب الناس إلى قلب الكاتب الكبير ثروت أباظة في هذه الفترة، وهو يذكر ذلك في مجالسه المختلفة، وكنت قد أشدت به في مقال لى بالأهرام على اعتبار أنه مع اختلافه الشديد مع العصر الناصري والحركة القومية عمومًا إلا أنه لم يخلط بين ذلك وبين الود المفقود مع دولة إسرائيل وسياستها العدوانية، وكان طرازًا فريدًا يرفض الناصرية تمامًا ويرفض سياسات إسرائيل أيضًا. وأضاف الأستاذ مكرم- في حديثه- إننا نلجأ إليك اليوم لأن صحفيًا شابًا اشتبك مع الكاتب الكبير حتى اتهمه الأستاذ ثروت أباظة بأنه سب أباه الذي كان وزيرًا في العهد الملكي، ولا نرى طريقًا إلى قلب الكاتب الكبير حتى يصفح عن الصحفي الشاب إلا من خلال تدخلك شخصيًا، ولم أتردد بالطبع بالقيام بتلك المهمة فأجريت اتصالاً هاتفيًا فى نفس اليوم بالكاتب الروائى الكبير ثروت أباظة صاحب العبارة الرمزية الشهيرة “زواج عتريس من فؤادة باطل”، وقد استقبل مكالمتي ببشاشته المعهودة ومحبته الزائدة. وعندما شرحت له مهمتي بعد مكالمة نقيب الصحفيين قال لى “هل يرضيك أن يسب شخص أباك بغير سبب؟. وأن يحمله من الصفات السيئة ما ليست له، وأبي هو أبي في النهاية سليل البيت الأباظي العريق، وهو سياسي تولي الوزارة في مرحلة معينة، والله لو أنك طلبت مني أن أفعل كل ما دون ذلك لفعلت، إلا طلب العفو عن هذا الصحفي الشاب الذي أساء لي ولأسرتي بالقذف والتشهير حتى حكمت عليه المحكمة بالسجن وأصبح الأمر واجب النفاذ”. وعندما قلت له إننى ضد مبدأ حبس الصحفيين عمومًا، علق قائلاً عندما يسب شخص أباك سيكون موقفك مختلفًا، وأنت تعلم مدى اعتزازى بك بحجم اعتذاري لك.فاتصلت بالأستاذ مكرم وأبلغته فحوى الحديث، فقال لى لقد انطفأ الأمل الأخير لنا في هذه القضية، وأصبح حبس الصحفى الشاب وجوبيًا.وبهذه المناسبة تذكرت طرفة حدثت لى مع الأستاذ ثروت أباظة عندما كنت أجلس معه ذات مرة بصحبة الأستاذ أنيس منصور الذي كان يداعبه بالقفشات الضاحكة، يومها أوعز لى الأستاذ أنيس منصور أن أسأل الأستاذ ثروت أباظة كم مترًا من القماش يحتاجه لتفصيل حلته، وقد كان معروفًا بضخامة الحجم طولاً ووزنًا، وتوجهت مصطنعًا البراءة للأستاذ ثروت وسألته ذلك السؤال، فقال لى إن العيب ليس عليك ولكن على الخبيث الذي يجلس بجانبك ويملى عليك مثل ذلك السؤال، وضحكنا جميعًا فى أجواء من المرح والبساطة كانت سائدة فى ذلك الزمن الجميل.بقى أن أضيف هنا أن جرائم النشر تحتاج إلى مراجعة وإلى محاولة ضبط الإيقاع بينها وبين حرية الصحافة، ورفع القيود عن الرأى الآخر شريطة الالتزام بآداب الحديث وشرف الكلمة دون تجريح أو إسفاف يصل أحيانًا إلى تكوين جريمة قذف متكاملة الأركان!كما يجب أن تتوقف تلك الحملات الصحفية المغرضة التي تجافى الموضوعية وتبتعد عن ميثاق الشرف الصحفى الذي يجب أن يكون شعارًا لكل صاحب قلم بدلاً من المواقف الصاخبة والتجاوزات الصارخة التي عرفتها صاحبة الجلالة عبر العقود الأخيرة.تحية لمكرم محمد أحمد فى مرقده ولثروت أباظة فى قبره ولأنيس منصور فى مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.