عاجل | المعلومات الكاملة.. برنامج تجسس تسبب في انهيار الجيش السوري وسقوط نظام الأسد

في تحليل استقصائي، تكشف مجلة نيولاينز عن سبب غير متوقع للانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، على الرغم من هيمنته العسكرية الواضحة على الأرض.
في حين فشلت كل التفسيرات العسكرية والسياسية في تفسير فشل جيش النظام في صد ما بدا هجومًا ضعيفًا لفصائل المعارضة على مدينة حلب، تكشف المعلومات عن حرب خفية تشنها قوات المعارضة باستخدام تطبيق إلكتروني خبيث تم زرعه سرًا على هواتف ضباط جيش النظام، لتبدأ بذلك واحدة من أولى الهجمات الإلكترونية في التاريخ الحديث لإسقاط نظام عسكري قائم.في هذا التحقيق، تبحث مجلة “نيولاينز” الدور المركزي لهذا التطبيق، الذي عمل كأداة تجسس متطورة، تحت ستار المساعدات الإنسانية والولاء الوطني، مستغلاً ضعف الأجهزة الأمنية واليأس الاقتصادي والفساد المتنامي داخل المؤسسة العسكرية السورية. ويشير التحقيق أيضًا إلى أن هذا الهجوم، الذي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه حتى الآن، لم يكن مجرد عملية اختراق رقمية، بل كان خطة استراتيجية ذكية للغاية أعادت تشكيل خريطة الصراع في سوريا. ويقدم موقع تلفزيون سوريا هذا التحليل في إطار تغطيته الإعلامية لسقوط النظام السابق في سوريا. وتشير إلى أن المحتوى يعكس رؤية المجلة ومصادرها، ويقدم كمادة تحليلية تساعد في فهم التغطية الإعلامية الدولية للأزمة السورية. فهو لا يشكل توثيقا شاملا للوضع بأكمله أو تأكيدا لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة للتقرير:
لا تستطيع كل التفسيرات في العالم أن تفسر لماذا فشل جيش النظام السابق في صد هجوم متواضع للمعارضة استهدف مدينة حلب في ديسمبر الماضي، والذي تصاعد في نهاية المطاف وأدى إلى إسقاط نظام بشار الأسد.ومن المؤكد أن القوة العسكرية للمعارضة، إلى جانب استخدامها للطائرات بدون طيار للإطاحة بالنظام، لم تكن كافية لتحقيق هذه الغاية. وكان الجيش السوري قد استعاد في السابق مناطق واسعة سيطرت عليها الجماعات المسلحة للمعارضة، وبحلول صيف عام 2024، سيطر نظام الأسد على ثلاثة أرباع سوريا. لكن الكشف المفاجئ عنها، والتفسيرات المثيرة للجدل لها، تتناقض مع ما كان الجيش نفسه يخفيه وراء الصورة الظاهرة التي قدمها.وفي مقابلة سابقة مع ضابط سوري كبير، تناولت مجلة “نيو لاينز” ما جرى في الأيام الأخيرة من حكم النظام. وكشف عن تفاصيل دقيقة لدرجة أن مسؤولي المجلة الأمريكية قرروا أخذ الوقت الكافي للتحقق من مصداقيته، حيث يكشف الفحص الدقيق أن التفاصيل التي قدمها تشكل مفتاحا لفهم كيفية انهيار النظام، ولكن من منظور مختلف: منظور لا علاقة له بالفشل اللوجستي أو فشل ساحة المعركة، بل كان نتيجة لحرب صامتة وغير مرئية. وتشير المعلومات إلى أن تطبيقاً للهواتف المحمولة تم توزيعه سرًا بين ضباط سوريين عبر قناة على تطبيق تيليجرام، وانتشر بين صفوفهم كالنار في الهشيم. ولم يكن هذا التنفيذ أكثر من فخ تم نصبه بعناية لهم، وأصبح مقدمة لحرب إلكترونية سرية. وكانت هذه الحرب في الواقع الأولى من نوعها، لأنها كانت موجهة ضد جيش حديث. استخدمت ميليشيات المعارضة الهواتف الذكية كأسلحة، وحولتها إلى أدوات قاتلة ضد القوات العسكرية النظامية.وإلى جانب كشف إطار هذا الهجوم الرقمي على جيش النظام، يسعى هذا التحقيق إلى فهم التطبيق نفسه وتقنياته وقدراته، وطبيعة المعلومات التي تنتقل من داخل صفوف الجيش. وهذا بدوره يقودنا مباشرة إلى مدى تأثير هذا الطلب على النشاط العسكري في سوريا.لكن السؤال الأهم هنا هو: من الذي نسق هذا الهجوم الإلكتروني؟ ما هو غرضه؟وتشير الإجابات إلى عوامل داخل الصراع نفسه، مثل فصائل المعارضة السورية، أو وكالات الاستخبارات الإقليمية والدولية، أو أيادٍ أخرى لا تزال خفية حتى اليوم. ولكن يتعين علينا أن نفهم هذا الهجوم في السياق السياسي والعسكري العام لتلك الفترة.في فبراير 2020، أدى هاتف محمول تركه جندي سوري داخل مركبة دفاع جوي من طراز بانتسير روسية الصنع إلى تحويل النظام بأكمله إلى كرة من النار. وقامت القوات الإسرائيلية بتتبع إشارة الهاتف وتحديد موقع البطارية، ثم شنت غارة جوية سريعة دمرت النظام بأكمله قبل أن تتمكن من إعادة تسليحه. وتظهر هذه الحادثة، التي كشف عنها فاليري سلوجين، المصمم الرئيسي لنظام بانتسير، في مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية تاس، كيف يمكن لهاتف محمول واحد أن يسبب كارثة، سواء عن عمد أو بسبب الجهل المطبق.وكان لذلك عواقب وخيمة، حيث تكبد الجيش خسائر في المعدات والمواد في وقت لم يتمكن فيه من تعويض كل ذلك. ومن الممكن أن يكون الجندي الذي نجا من الهجوم الإسرائيلي عميلاً جندته إسرائيل، أو ربما كان ببساطة يجهل حجم الأضرار التي أحدثها، وهذا هو الاحتمال الأكثر احتمالا. وبحسب سلوجين، يجب إطفاء جميع أجهزة الاتصالات، مثل الهواتف وأجهزة الراديو، أثناء العملية، ويجب تغيير موقع البطارية فور إطلاق الصواريخ لمنع أي شخص من اكتشاف موقعها. وهناك بروتوكولات أمنية راسخة لهذا الغرض، لكن عدم التزام الجنود السوريين بها حوّل أي هاتف عادي إلى معلم حي يوجه هجوم العدو مباشرة إلى هدفه. وبحسب المنطق الأساسي لسلوك الجيش، كان ينبغي للسلطات السورية أن تطلق تحقيقاً كاملاً بعد تدمير منظومة بانتسير، أو أن تحظر استخدام الأجهزة المحمولة داخل الجيش، أو أن تضع تدابير مضادة لمنعها من أن تصبح نقاط مراقبة نشطة، ولكن لم يحدث شيء من هذا. وبدلاً من ذلك، تصرف جيش النظام بنفس الطريقة، وفي كثير من الحالات بعد ذلك، بنفس انعدام المسؤولية القاتلة، ودفع ثمناً باهظاً لذلك. الأمر الأكثر إثارة للصدمة الذي حدث بعد أحداث 27 نوفمبر، ومن ثم سقوط حلب في أيدي مليشيات المعارضة، هو التوقف المفاجئ للقتال من قبل الجيش السوري. وراقبت معظم الوحدات تقدم مليشيات المعارضة، ولم تُبدِ سوى مقاومة عرضية حتى وصل المليشيات إلى أطراف دمشق صباح الثامن من ديسمبر الماضي. وفي ريف إدلب وحلب، استولت فصائل المعارضة على عشرات المواقع العسكرية التابعة للواء 25 قوات خاصة بقيادة سهيل الحسن – النمر والفرقة 30، بالإضافة إلى مهاجمة مواقع عسكرية تقع في مناطق ضيقة في تضاريس وعرة، متقدمةً أكثر من 64 كيلومترًا في غضون 48 ساعة فقط.انهيار الجيشفي ذلك الوقت، أصبح الجيش السوري السابق مجرد شبح لنفسه، بعد عقد من الحرب الصعبة، التي سقط فيها آلاف الضحايا، وتكبد الجيش خسائر مادية ومعنوية لا يمكن إصلاحها، لم يعد لديه القدرة على حشد قوته. وأدت سنوات الصراع إلى تشتيت القوات العسكرية، ليس فقط بسبب الهزائم في ساحة المعركة، بل أيضاً بسبب الانهيار الذي أصابها من الداخل.بدأت الليرة السورية بالهبوط الحر، من 50 ليرة للدولار في عام 2011 إلى 15 ألف ليرة للدولار في عام 2023، وهذا جعل رواتب الجنود والضباط متدنية جدًا، لم تعد تتجاوز 20 دولاراً شهرياً. ولم يعد الكثير منهم يقاتلون من أجل “الدولة والزعيم”، بل من أجل البقاء فقط. وتضاعفت تكاليف النقل، ولم يعد راتب الضابط الكبير كافيًا لإطعام أسرته. ويذكر أحد الضباط من اللواء 47 أنهم كانوا يحصلون في كثير من الأحيان على نصف وجباتهم المخصصة، والتي كانت تتكون من طعام غير مطبوخ أو نصف نيء. وفي أغلب الوحدات، كان بعض الضباط المتميزين يتناولون عشاءهم في عزلة، مما تسبب في استياء كبير بين صفوف الجنود والضباط.إلى جانب الانهيار الاقتصادي الناجم جزئياً عن العقوبات الغربية، غرقت سوريا في مأزق عسكري وسياسي حاد منذ عام 2018، فالجبهات مشلولة، والمعنويات منهارة للغاية، وأصبح قادة الجيش خارجين عن القانون ومهربين للكبتاجون. في هذه الأثناء، يتمسك النظام بالسلطة بعناد، رافضاً حتى الحلول الأكثر براجماتية، سواء تلك التي اقترحها أعداء الأمس، بما في ذلك الدول العربية، أو تلك التي اقترحتها تركيا، أو تلك التي يروج لها الغرب.وأدى الركود والجمود، وهذا المشهد الخانق من الآفاق المغلقة والافتقار إلى المستقبل، إلى ظهور نوع مخيف من ريادة الأعمال داخل المؤسسة العسكرية. لم يعد الضباط والجنود يركزون على مهماتهم العسكرية، بل يتسارعون نحو أي فرصة قد تدعمهم، لذلك، بدأوا بالتجارة في كل شيء وأي شيء فقط من أجل البقاء.تخيل جيشًا يبيع فيه الضباط حصص الخبز الجاف المتبقية لرجالهم، بينما يشتري كبار الضباط الألواح الشمسية ويستأجرون خدمات الشحن للجنود الذين يحتاجون بشدة إلى إضاءة مساكنهم أو شحن هواتفهم. ويبدو أن الذين فكروا في تحويل هذه المرحلة إلى سلاح كانوا يعرفون تمامًا ما الذي ينتظرهم، أو كيف يمكنهم استغلال الوضع.