ذكرى الكارثة

مرت منذ أسابيع ذكرى ١٥ مايو 1948، أى ٧٧ عامًا على قيام دولة إسرائيل التي قامت بعد اغتصابها واحتلالها أرض دولة فلسطين، بالظلم والعدوان وصدمة لمن يعرف تاريخ هذه البلاد، فمنذ مئات السنين كانت فلسطين دولة قائمة بذاتها وتنعم بالأمن والأمان فى ظل دولة الخلافة الإسلامية فى عهد الخلفاء الراشدين منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عام ٦٣٦م والخلافة الأموية والعباسية والدولة الفاطمية ودولة المماليك إلى الدولة العثمانية لمدة ٤٠٠ عام من عام ١٥١٧ إلى أن سقطت فى أيدى القوات البريطانية عام ١٩١٧، أصبحت فلسطين مطمعًا للحركة الصهيونية وهى حركة سياسية أسسها الصحفى النمساوى اليهودى تيودور هيرتزل للتخلص من الاضطهاد المستمر لليهود فى أوروبا، على هذا الأساس كان هرتزل يدرس فكرة السيادة اليهودية، فنشر فى عام ١٨٩٦ كتابه: الدولة اليهودية، وذكر فيه أن أوروبا لا يمكن أبدًا أن تقبل اليهود كمواطنين متساوين مع بقية المواطنين واستنتج أن الحل الوحيد لمواجهة الحملة اللا سامية تتمثل بهجرة ضخمة لليهود إلى أرض يمكن لهم أن يعتبروها ملكًا لهم، وحدد فلسطين مكانًا لقيام هذه الدولة بدعوى أن لليهود تاريخًا قديمًا فى أرض فلسطين، ولتحقيق ذلك تم انعقاد المؤتمر الصهيونى الأول فى أغسطس عام ١٨٩٧م فى بازل بسويسرا والذي تم فيه وضع خطة تنفيذ إقامة الدولة، على أن يتم التقرب بكل الوسائل إلى الدولة العظمى فى العالم فى ذلك الوقت أى بريطانيا لتحقيق هذا الهدف ولما رفض السلطان عبدالحميد الثانى إعطاء أى تسهيلات لهم فى فلسطين تم اقتراح أن تكون الدولة اليهودية فى أوغندا أو الأرجنتين وذلك يبين أكذوبة ما يرددونه عن فلسطين بأنها (أرض الميعاد). بعد وفاة هرتزل عام ١٩٠٤م تولى قيادة الحركة الصهيونية عالم الطبيعة اليهودى البريطانى حاييم وايزمان والذي تقرب إلى بلفور وزير الخارجية البريطانى الذي أعطى اليهود وعد بلفور بعد سقوط فلسطين فى يد الإنجليز عام ١٩١٧م، وبعد وضع فلسطين تحت الحماية البريطانية عام ١٩٢٠م والتي شجعت هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين. ويذكرنا التاريخ بأن أكبر مشجع ومساعد للهجرة اليهودية هو البريطانى تشرشل وزير المستعمرات فى ذلك الوقت والذي أصبح رئيسًا للوزراء خلال الحرب العالمية الثانية، أدرك الشعب الفلسطينى هذا الخطر الصهيونى وقاوم بلا هوادة، وبعد الحرب العالمية الثانية تلقى الصهاينة الدعم من أغلب الدول الأوروبية وأمريكا وروسيا، وكان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٨١ والذي أُصدر بتاريخ ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧م ويتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى ثلاثة كيانات جديدة، كالتالى دولة عربية: تبلغ مساحتها ما يمثل ٤٢٫٣% من فلسطين ودولة يهودية: تبلغ مساحتها ما يمثل ٥٧٫٧% من فلسطين، ثم القدس وبيت لحم والأراضى المجاورة، تحت وصاية دولية أى أن هناك اعترافًا دوليًا بدولة فلسطين منذ عام ١٩٤٧م، ثم جاء اليوم المشئوم عندما أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل فى يوم ١٥ مايو عام ١٩٤٨، وفى نفس اليوم اعترفت بها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفى نفس اليوم دخلت الجيوش العربية إلى أرض فلسطين وبدون خطة متكاملة بينها وتحت قيادة القائد الإنجليزى جلوب باشا الذي واجه اتهامات تاريخية فى أثناء نكبة ١٩٤٨ حيث اتهم بسوء إدارة القوات العربية ومساعدة اليهود فى قيام دولتهم، وهو ما يفسره إصراره على الموافقة على الهدنة الأولى التي تسببت فى تقوية جبهة اليهود وإضعاف الجبهتين الأردنية والمصرية مما أدى لخسارة العرب للحرب وقيام دولة إسرائيل والتي بدأت فى تنفيذ المجازر لتهجير الفلسطينيين من ديارهم، وهكذا تحققت وجهة نظر الدكتور عبدالوهاب المسيرى فى موسوعته حيث قال إن المسألة اليهودية صناعة غربية مائة بالمائة، نشأت فى أحضان دول أوروبا الغربية وشكلت أزمة فى وجدان الغرب، فأراد أن يتخلص منها ويتجمل فى الوقت ذاته فكان الحل فى الصهيونية حلًا مثاليًا يرضى الطرفين معًا اليهودى والغربى، ويتلخص فى التخلص من اليهود فى أوروبا عن طريق نقلهم إلى فلسطين المحتلة، ليؤسسوا الدولة الصهيونية، التي تقوم على خدمة الاستعمار الغربى، ويقوم هو بالمقابل برعايتها ودعمها.ومنذ ذلك الوقت بدأ الصراع العربى الإسرائيلى، والذي لن ينتهى إلا بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ١٩٦٧م وعاصمتها القدس الشرقية بإذن الله وبإصرار الشعب الفلسطينى المناضل.أستاذ بكلية طب الأزهر