أرض كنعان: القدس هويتنا العربية

فى أرض كنعان يقف التاريخ ممشوق القوام، يهتف فى زائريها أن تحسسوا الخطى، عسى أن تطأ أقدامكم موضع قدم نبي، أو شهيد ضحى فى الصراع الأبدى.
هناك ترنيمة داود وبشارة عيسى، ومسرى محمد -صلى الله عليه وسلم، مدينة السلام، وطريق الآلام، والمسجد الأقصى، القدس وأهلها الفلسطينيون الصامدون فى مواجهة محاولات التهجير والتهويد. عُرفت «فلسطين» منذ القدم بأرض كنعان، جزء من بلاد الشام، 3000 عام قبل الميلاد، واجه أهلها العرب موجات الغزو المتوالية، ووردت فى بعض الآثار الآشورية فى عهد الملك الآشورى «أدديزارى الثالث» نحو عام 800 ق.م» – فلستيا، فقد وُجِدَ محفورًا على مسلته أن قواته تمكنت من إخضاع « فلستو » palastu فى السنة الخامسة من حكمه، وأجبرت أهلها على دفع الضريبة. ومن الآشوريين إلى الرومان والفتح العمرى، والغزو الصليبى، وتحرير صلاح الدين الأيوبى، إلى نكبة ١٩٤٨ ونكسة ١٩٦٧ سرطان الصهيونية العالمية الذي لا يزال يتمدد ملتهمًا ما تبقى من أرض عربية فى شكل منهوبات تسمى مستوطنات. تيودور هرتزل أو «theodor Herzl» باللاتينية، أما بالعبرى فكان اسمه «بنيامين زائيف» والاسم المجرى «تيفا دارا»، أصدر كتيبًا صغيرًا فى ١٧ يونيو ١٨٩٥ روج له عام ١٨٩٦ بعنوان der juenstaat» دولة اليهود »ليضع بذلك حجر الأساس للصهيونية العالمية وتسييس الديانة اليهودية، لخدمة أهداف الاستيلاء على أرض يقيمون عليها دولتهم المزعومة. طاف البلدان لإقناع اليهود، بالانضمام إلى الحركة الصهيونية، ودعم منظمته للبحث عن أرض يحتلونها، ويهاجرون إليها من شتات العالم، محرضًا على مقاومة اندماج اليهود فى أوطانهم الأصلية ليسهل تهجيرهم مستقبلًا. كانت الاستجابة من رجال المال والدين والسياسة، وعقد المؤتمر الأول فى مدينة بازل السويسرية على مدار ٣ أيام اختتم ٣١ أغسطس ١٨٩٧، وانتخب هرتزل رئيسًا للمنظمة الصهيونية العالمية، ليبدأ محادثات مع ملوك أوروبا بحثًا عن مؤيدين للمشروع الصهيونى وقطعة أرض ينهبونها. كانت الخيارات المطروحة فى البداية فى أفريقيا، أوغندا ثم قبرص، ثم حاولوا الاستيلاء على جزء من سيناء، بزعم حق الانتفاع مستغلين المعتمد البريطانى للضغط على القصر والحكومة. لكن رجال الدين والمال رفضوا أوغندا، فلا يوجد ما يمكنهم من خلق ذريعة دينية، تدفع اليهود لترك أوطانهم الأصلية فى أوروبا وغيرها للهجرة لأوغندا أو قبرص. أما سيناء، فقد جاءهم الرد القاطع من الحكومة المصرية، لا نملك التفريط فى حبة رمل واحدة، فبعث اللورد كرومر المعتمد البريطانى برقية إلى حكومته فى يونيو 1903 يقول «يجب صرف النظر عن الموضوع»، لتبلغ بدورها تيودور هرتزل: “نأسف لعدم استطاعتنا الضغط أكثر من ذلك على الحكومة المصرية، لدفعها لتغيير موقفها». فكان خيارهم الأمثل لكسب المتشددين، وحشد يهود العالم، خلق ذرائع دينية، بأكذوبة أرض الميعاد، وهيكل سليمان المفقود، لخداع المغيبين، وحشدهم مثل القطعان إلى أرض كنعان العربية، للاستيلاء عليها، لأهميتها الجغرافية والاقتصادية والدينية، ملتقى طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا. نجح الصحفى الصهيوني، عالم الكيمياء، فى استثمار علاقاته بآرثر جيمس بلفور وزير الحرب البريطانى، لخلق مصلحة مشتركة بين أهداف الصهيونية ومصالح الاستعمار البريطاني، للحصول على وعد إقامة دولة لليهود فى فلسطين. كان هدف بلفور وزير الحرب خلق حاجز بشرى صهيونى موالٍ لبريطانيا على حدود مصر، لتحقيق هدفين: الأول حماية الحدود الشرقية المؤدية لقناة السويس من أى عدوان لقوى منافسة قادمة عبر الشام، والثانى تحقيق مصالح الاحتلال البريطانى وحماية طرق تجارته، خاصة حال رحيلها. لم يكن ذلك الوعد ودعم تهجير اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين، إلا بحثًا عن احتلال بالوكالة يؤدى وظيفة الاحتلال الأب الذي قرر أن يحمل عصاه مغادرًا، فكان أن أوجد محله الكيان الصهيوني، وليس أدل على ذلك من أن الاحتلال البريطانى وضع جدولًا زمنيًا (عشر سنوات) يلغى بعدها الانتداب على فلسطين ١٥ مايو ١٩٤٨، فقبلها بيوم واحد أعلن بن جوريون ١٤ مايو من ذات العام قيام دولتهم المزعومة. ومن قوى عظمى لأخرى وجدت فى هؤلاء الصهاينة، ما يحقق مصالحهم وأهدافهم لنهب ثروات المشرق العربي، فقد بزغ فجر الأمريكان فى الحرب العالمية الثانية، ورحيل بريطانيا من المنطقة؛ لترث أمريكا مخلفات الاحتلال وفى مقدمته الكيان الصهيوني. نجح الصحفى الصهيونى فى تحقيق هدفه، وأقام كيانًا يسمى دولة، وهنا يبرز دور الإعلامى السياسي، حتي يمكنه أن يقيم دولة، وأن يهدم دولة بلا مبالغة، حيث حصل على وعد بلفور “من لا يملك لمن لا يستحق”. واليوم يواصل بنيامين نتنياهو، ورفاقه المتطرفون، خداع اليهود للبقاء فى الأرض المنهوبة، محاولين العثور على أى شيء تاريخى يدعم أكاذيبهم، وبالأمس خرج رئيس وزراء الكيان فى فيديو من نفق يمتد تحت المسجد الأقصى زاعمًا أنه الطريق إلى هيكل سليمان، ذلك الهيكل المزعوم الذي يستخدم ذريعة دينية لتخريب المدينة المقدسة وتعريض المسجد الأقصى للخطر. يأتى ذلك فى الوقت الذي قاد فيه المتطرف إيتمار بن غفير وزير الأمن القومى الإسرائيلى قطيعًا من المتطرفين المتشددين، مقتحمًا المسجد الأقصى المُبارك، فى استمرار للممارسات التصعيدية الاستفزازية. فرغم كل الجهود الدولية، وما يمثله العدوان على قطاع غزة من تهديد للأمن والسلم الدوليين، وما عانته المنطقة، وما بذله الشعب الفلسطينى من تضحيات وأكثر من 55 ألف شهيد، يواصل نتنياهو وأعضاء حكومته المتطرفة، عدوانهم وممارساتهم المهددة باشتعال بؤر صراع جديدة، يسعون لحرق المنطقة فى سبيل تحقيقهم أهدافهم السياسية. بالأمس أعربت مصر عن إدانتها البالغة لاقتحام وزير الأمن القومى الإسرائيلى ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصى المُبارك، فى بيان صادر عن وزارة الخارجية. وجددت مصر التحذير من تداعيات تلك التصرفات الاستفزازية، التي تمس معتقدات ومشاعر الملايين من المسلمين حول العالم، محذرة من المغبة الشديدة لتلك التصرفات المتهورة وعواقبها على أمن واستقرار المنطقة. وشددت مصر على ضرورة تصدى المجتمع الدولى للانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة، ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه فى إقامة دولته المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية. فمصر تواصل دعمها التاريخى للقضية الفلسطينية، بكل شرف وأمانة وثبات، حيث رفضت مخطط التهجير، وتواصل جهودها الدبلوماسية، لوقف إطلاق النار فى غزة وإغاثة أهلها تمهيدًا لبدء الإعمار. وقالها الرئيس عبدالفتاح السيسي بكل وضوح فى القمة العربية فى بغداد، بلسان مصري عربى قومى مُبين»: «حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية». القدس عربية، ولا بديل عن خيار السلام، وهو ما يتطلب تكاتف القوى العربية والإسلامية والدولية، لممارسة كافة الضغوط، لوقف العدوان والاستفزاز، فما يعانيه الشعب الفلسطينى فى الأرض الفلسطينية المحتلة غزة والقدس والضفة الغربية فوق الاحتمال. المقدسيون يواجهون عدوانا دائما من المستوطنين المتشددين، لتهجيرهم، والاستيلاء على بيوتهم، لكن المقدسيين كأهل غزة صامدون متمسكون بجذورهم فى أرضهم مثل أشجار الزيتون. حفظ الله مصر