ضحايا صامتون .. خلال فترة الانتخابات

ضحايا صامتون .. خلال فترة الانتخابات

مع دقات طبول موسم الانتخابات البرلمانية، تبدأ معها حفلة الوعود الكبرى، حيث يتحول المرشح – فجأة – إلى فارس أحلام الجماهير، يتحدث عن التنمية والتطوير وكأنه يمتلك مفاتيح الحل لكل أزمات الدولة، من نقص الأسمدة إلى صيانة المريخ.

 في المشهد الانتخابي المصري، يبدو المرشح الفردي وكأنه “المنقذ المنتظر”، بينما يظهر مرشحو القوائم الحزبية كممثلين عن كيانات لا يراها أحد طوال أربع سنوات. كلٌ منهم يحمل برنامجًا انتخابيًا يصلح ليكون مادة درامية في مسلسل رمضاني، أكثر منه خطة قابلة للتنفيذ. برامج وهمية وشعارات منتهية الصلاحية أغلب المرشحين يعدون بما ليس في إمكانهم أصلاً، مثل إنشاء مستشفى مركزي، وتطوير المدارس، وتوصيل الصرف الصحي، وربما بناء مطار دولي في وسط الحقول، دون تحديد ميزانية أو صلاحيات أو حتى دراسة جدوى. أما بعد الفوز، فيكتشف المواطن أن “البرنامج الانتخابي” كان مجرد منشور صيغ على عجل في مطبعة محلية.النواب الحاليون… والموت الصامت على الطريق الإقليمي! ووسط هذا السباق المحموم، لا بد من وقفة أمام نواب البرلمان الحاليين الذين كمّت أفواههم تمامًا أمام واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا: نزيف الأرواح على الطريق الإقليمي. هذا الطريق الذي يمر على أغلب محافظات الجمهورية، ويحصد كل صباح أرواح مواطنين أبرياء في صمت مرير. لا بيان عاجل، لا طلب إحاطة، ولا حتى “بوست تضامن” أو محاولة دعوة وزير النقل لمناقشة غلق الطريق حتى انتهاء التطوير فيه، أو عمل دراسة تحمي مستخدميه. وكأن تلك الأرواح رخيصة لا تستحق حتى لحظة حزن على هامش جلسة.. والأهم تحصيل الكارته على طريق غابة هويته. فأين اختفى صوت النائب الذي كان يطرق أبواب البيوت طالبًا ثقة الناخبين؟ أم أن أرواح المواطنين لا تندرج ضمن البرنامج الانتخابي؟ كراتين الخير… وسياسات الفوتوشوب! ما زال بعض المرشحين يؤمنون أن توزيع “كرتونة سلع غذائية” كفيل بإقناع الناخبين، وأن صورة على مواقع التواصل وهو يبتسم بجوار شجرة زرعها في أحد الميادين كافية لإثبات وطنيته. أما البرامج الجادة والمواقف الحقيقية، فغائبة تمامًا كغيابهم عن دوائرهم بعد الفوز. فمن هو المرشح الذي يستحق صوتك؟ المرشح الحقيقي ليس من يوزع السلع في موسم الانتخابات، ولا من يختفي أربع سنوات ويعود مرتديًا بدلة جديدة. بل هو من يمتلك وعيًا سياسيًا، وقدرة على التشريع والرقابة، وسجلًا نظيفًا من الوعود الفارغة والغياب المزمن. هو من يفهم مشاكل دائرته بصدق، ويتحدث لغة الناس، ويطرح حلولًا واقعية لا “أحلام يقظة انتخابية”. يستحق المرشح أصوات الناس فقط عندما يحترم عقولهم، ويواجه مشكلاتهم دون تملق، ويظل حاضرًا بينهم بعد الفوز، لا فقط عند التصويت. كلمة للناخب: اسأل ولا تنسَ! اقتربت الانتخابات من جديد، والمطلوب من الناخب ليس فقط اختيار اسم، بل محاسبة تاريخ. اسألوا مرشحيكم القدامى والجدد: ماذا فعلتم لأجل الناس؟ وأين أنتم من نزيف الطريق، وبؤس الخدمات، وأحلام البسطاء؟ فربما، ولو لمرة، نستبدل الوهم بالواقع، ونصنع برلمانًا يعبر عن الشعب… لا عن نفسه.