إنسان يتعرض لضغط نفسي في سوهاج والمتحف المصري العظيم

إنسان يتعرض لضغط نفسي في سوهاج والمتحف المصري العظيم

في ركن هادئ من المتحف القومي للحضارة بمنطقة الفسطاط بالقاهرة يرقد واحد من أعظم الاكتشافات العلمية في مجال الانثروبولوجيا وهو إنسان نزلة خاطر وهو واحد من اقدم الهياكل العظيمة التي تم اكتشافها للإنسان القديم (الأنسان العاقل) في العالم بشكل عام وفي شمال أفريقيا بشكل خاص حيث يتجاوز عمره 33 ألف سنة قبل الميلاد.

 إنسان نزلة خاطر تم اكتشافه في بداية الثمانينات في قرية نزلة خاطر غرب مدينة طهطا بمحافظة سوهاج عام 1980 على يد بعثة تنقيب بلجيكية بأحد محاجر الرمال في المنطقة الصحراوية غرب طهطا حيث عثر على الهيكل العظمى الذي يتميز بجمجمة كبيرة الحجم ومعه أدوات حجرية على شكل فأس مصنوعة من قرون الحيوانات ربما تعود إلى الظباء الغزلان وسهام صيد مصنوعة من حجر الصوان، وساعد هذا الأكتشاف في سد الفجوات الزمنية بين ظهور الإنسان العاقل في شرق أفريقيا (قبل 200 ألف سنة) وانتشاره بعد ذلك في بقية أنحاء العالم كما يدعم فكرة أن أفريقيا شهدت تنوعاً سكانياً كبيراً قبل الهجرات الكبرى التي مثل فيها الإنسان في أفريقيا حلقة الوصل بين الجماعات التي هاجرت من الأرض السمراء وبين المجموعات البشرية التي انتشرت في بقية العالم القديم، كما ساهم هذا الاكتشاف في فهم التركيبة السكانية لإنسان نزلة خاطر(المجموعة البشرية التي كانت تعاصره) في تفسير الدراسات الجينية الحديثة التي تشير إلى تدفق جينات من أفريقيا إلى أوراسيا في فترات متأخرة نسبياً. وأذكر انني في صباي فترة الثمانينات عندما كنت أزور مدينة طهطا كنت أشاهد العديد من أتوبيسات السياح تتجه غرب المدينة وحينها لم أكن اعرف هذا السبب وهذا الاهتمام الذي يجعل السائحين يذهبون لزيارة المنطقة الصحراوية غرب المدينة، َكنت اتساءل وقتها قبل أن أعرف الإجابة الآن ما هذا الشئ المهم الذي جعل المدينة قبلة للسائحين يتوافدون عليها حتى اصبحت معظم القطارات المكيفة تقف في محطة المدينة لوقتنا هذا. وأحدث هذا الاكتشاف الذي تم وقتها بالصدفة ضجه عالمية في الأوساط العلمية وعلماء الآثار والانثروبولوجيا أو ما يعرف بعلم الإنسان الحيوي (الانثروبولوجيا الحيوية) وهو العلم الذي يدرس التغيرات البيولوجية والفيزيائية التي تطرأ على الهياكل العظمية للإنسان عبر السنين، حيث توجد مميزات تشريحية كبيرة لهيكل إنسان نزلة خاطر حيث تظهر جمجمة إنسان نزلة خاطر كبيرة الحجم مزيجاً من السمات “الحديثة” و”القديمة” للإنسان ، ما يشير إلى تنوع في التركيبة السكانية لأفريقيا خلال العصر الحجري. فبينما تشبه الجمجمة في بعض تفاصيلها جماجم البشر المعاصرين، تحتفظ بخصائص أقرب إلى أسلافهم الأوائل، مثل تجويف عينيْن واسع وحاجبين بارزين نسبياً، مما يثير نقاشاً حول تفاعلاته مع أنواع بشرية أخرى كالنياندرتال. ورغم أهمية الاكتشاف، لا يزال هناك غموض حول الدور الذي لعبه إنسان نزلة خاطر في التاريخ البشري. هل كان جزءاً من مجموعة “بقيت” في أفريقيا بينما هاجر آخرون؟ أم أنه ينتمي إلى موجة هجرة فشلت في الاستمرار؟ وتُظهر الدراسات الحديثة أن أفريقيا شهدت حركات سكانية معقدة، مما يستدعي المزيد من البحث في الحمض النووي القديم إذا أمكن واعادة البحث في الموقع في المنطقة الصحراوية خاصة مع تطور وسائل الاكتشاف ووجود دعم كبير للصرف على البعثات عن أي شواهد أخرى سواء أدوات صيد أو معيشه أو حتى هياكل عظمية أخرى معاصره . َوينتمي الهيكل الخاص بإنسان نزلة خاطر وفقا للأبحاث إلى شاب يُقدَّر عمره عند الوفاة بين 17 و19 عامًا، وطوله حوالي 160 سم.- يُعتبر الهيكل هو ثاني أقدم هيكل عظمي بشري تم اكتشافه في مصر، حيث سبقه هيكل “الترامسة” الذي يعود إلى نحو 55 ألف عام قبل الميلا، في حين يقدر عمر الهيكل مابين 33,000 إلى 35,100 سنة بناءً على تحليل الكربون المشع. والآن بعد عودة هيكل إنسان نزلة خاطر من رحلة الترميم في أوروبا وصار متواجد في المتحف القومي للحضارة ومع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير في ٣ يوليو القادم ومع الزخم الكبير الذي يتم في العالم حول الأثار المصرية وما تزخر به مصر من كنوز في الآثار والجيولوجيا والانثربولوجيا واجب علينا أن نعيد تسليط الضوء على هذا الاكتشاف العظيم وعلى المكان الذي اكتشفه فيه لكي يهتم المسؤولين عن الآثار والانثروبولوجيا في بلادنا بضرورة استمرار التنقيب والاستكشاف في صحراء نزلة خاطر التي بالتأكيد لازالت لم تبوح بأسرارها كواحده من المناطق المهمة في رحلة حاسمة من تاريخ البشرية، بعدما تم اكتشاف الهيكل العظمى “لإنسان نزلة خاطر” والذي ينتمي إلى نوع الإنسان العاقل (Homo sapiens) بها والذي تشير الأدلة العلمية انه هاجر من أفريقيا إلى بقاع العالم الأخرى كما ان هذا الاكتشاف لا يُمثل مجرد دليل على وجود البشر في شمال أفريقيا خلال العصر الحجري القديم الأعلى (Upper Paleolithic) فحسب، بل يفتح نافذة لفهم التطور البشري، ومسارات الهجرة، والتكيف مع البيئات المتنوعة ليتم وضع محافظة سوهاج من جديد على خريطة العالم السياحية خاصة ان سوهاج بها اقدم المعابد في ابيدوس ولديها متحف كبير على النيل مباشرة يزخر بالآف القطع الأثرية المتنوعة من شتى العصور التي مرت بمصر.