الحج وروحانية النفس

الاستعداد للحج لا يبدأ فى ذى القعدة ولا حين نرتب حقائبنا استعدادًا للسفر بل يبدأ منذ أن يتحرك فى قلوبنا الشوق إلى هذا المكان المراد إليه ويوقظنا النداء كما قال الله تعالى: «…. وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق».
ويبدأ حين تطهر نوايانا… ونسأل الله القبول قبل الوصول ونغسل قلوبنا من النفاق والرياء حتى نستعد للوقوف بجبل عرفات فإنها الوقفة بين يدى الله يوم القيامة فمن كتب الله لهم الحج فليعلموا أن الله اصطفاهم من بين خلق كثير فلا يضيعوا هذه الفرصة بالانشغال بالمظاهر.إن شهر شوال ليس فقط بداية زمنية لأشهر الحج بل هو نقطة انطلاق روحية يتدرج فيها الحجاج من مرحلة النية إلى مرحلة التجرد الكامل من شواغل الدنيا استعدادًا للوقوف بين يدى الله فى عرفات.كما أن من أهم مظاهر الاستعداد للحج فى هذه الفترة هو مراجعة النفس والتوبة الصادقة كذلك رد حقوق الناس ومصالحة القلوب بين الأقارب والأصدقاء والزملاء.فالحج المبرور يبدأ بنية خالصة وسلوك مستقيم كما أن الحج لا يختصر فى التنقل بين المشاعر بل هو ارتحال حقيقى للروح والتجرد من المحيط فى الإحرام ما هو إلا سفر لتجرد القلب من الأهواء… والحج تبدأ رحلته الفعلية من لحظة استعداده النفسى الذي ينبغى أن يسبق السفر بأيام أو أسابيع فالكثير من الحجاج يبدأون فى شوال خطوات الاستعداد النفسى ويعيشون حالة من الاشتياق ويحرصون على ختم القرآن والإكثار من الدعاء وكأنهم فى عبادة مستمرة قبل أن تطأ أقدامهم الأراضى المقدسة المتجهين إليها.وهذا الاشتياق فى حقيقته هو علامة قبول الحاج الذي يستعد من شهر شوال هو فى حقيقته حاج سبق قدميه قلبه ومن سبق قلبه إلى الله لن يضيق له الطريق.لقد شرع الله لعباده الحجاج ميقاتًا زمنيًا لفريضة الحج فقال تعالى: «الحج أشهر معلومات»، ولم يقل الله الحج أشهر ثلاثة، وذلك كان التلفظ بالعدد يقتضى كمال الشهر والتحديد لها بإكمال الأيام.المقصود بالأشهر شوال ذى القعدة والعشر الأوائل من ذى الحجة أن يراد به الله وحكمة الميقات الزمانى فى هذه الفترة ترجع لأسباب منها أن يتمكن المسلم من استعداد قلبه ووجدانه لأداء المناسك بصورة ترضى الله تعالى وأن يحسن التعرف على أحكام البلد الحرام وأحكام وأرض الحرم فضلًا عن حضور رفقاء الرحلة بالحلم والعفو عن الزلات.. فقال عز وجل ولا جدال فى الحج وأن يخشى المسلم ربه كما قال الله تعالى ليعلم أن له ربا يعلم سره وعلانيته فيتقى الله ويخشاه ساعيًا لرضاه أكثر من أن يتقى الناس.إن أداء مناسك الحج فى أيام التروية وعرفة والنحر ويومان من التشريق لمن تعجل وهذا يعنى أن المسلم يؤدى الحج فى ستة أيام أو ستة من شهر ذى الحجة ونحن ندرك أن ذلك مؤكد أن من يعمل خيرات محتسبًا الأجر فى هذا البلد الحرام على الله تحقق له مضاعفة الأجر والدليل على ذلك قوله تعالى «وما تفعلوا من خير يعلمه الله» ذلك فإن أيام الحج المعدودات هى أيام التشريق التي أمر الله فيها العبد بالإكثار من ذكر الله والتكبير والتمجيد والتحميد لله عز وجل.فإن الحج فى قوله تعالى «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله».فمن شهد المنافع وذكر الله بصدق فقد حج بقلبه وإن لم يحج بجسده وندعو الله أن يكتب لنا الحج إلى بيت الله الحرام.