لنركز على العمل ونتجاهل الشائعات!

لنركز على العمل ونتجاهل الشائعات!

ليس ثمة شك أن الشائعات لها خطرها المدمر لا أقول على مستوى المجتمع وحياتنا التي نحياها، وإنما أثرها السلبي على من يطلقها ويروج لها وعلى من يعطوا آذانهم لأمثال هؤلاء.

 فقد يطلق الإنسان كذبه ويروج لها ويحاول أن يقنع نفسه والآخرين من حوله، لكن ذلك سيكون له مردوده السلبي عليه قبل أي شيء وقبل أي إنسان آخر في محيط تعاملاته، فقد يوهم نفسه أنه مشهور وأنه هاتفته الشخصية الفلانة التي لها مكانتها فى الدولة لافتا النظر من أنه شخص مهم.وعندما يفتضح أمره قد يفقد ثقته في نفسه وقد يصاب بالأمراض النفسية. وينعكس ذلك سلبا على المجتمع أو المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ، فيكذبه الناس ولا يولونه أدنى اهتمام، بل حتى يصل الأمر بهؤلاء من أن يفقدوا ثقتهم بكل من حولهم. لذلك استميحكم عذرا قراءنا الأحباب أن أبدأ مقالتي بهذه العبارة (دعونا نعمل ولا نستمع للشائعات). هل إطلاق الشائعات يؤثر على صناعة القرار، هل ينبغي على صناع القرار أن يعطوا أذانهم إلى كل ما يقال، هل تنهض أمة من خلال الشائعات أم أن مثل هذه الأمور تعود بالأمم عود قهقري إلى الوراء.لا شك أن ما تمر به أمتنا العربية والإسلامية من مشكلات وقضايا متشابكة لا يمكن بحال من الأحوال أن نتركها تمر أمام أعيننا مرور الكرام ومن ثم يجب أخذ الحيطة والحذر من الحديث عن هذه المشكلات، بل وترك الأمر لأولوا الأمر والمتخصصين في معالجة هذه القضايا والمشكلات فليس كل من هب ودب نصب نفسه منظرا، هذا ما أخبر عنه النبي ﷺ حينما قال إذا وكل الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة. ليس هذا وحسب بل إن هذا يفتح المجال لإطلاق الشائعات التي تضرب المجتمعات في صميمها بل وتثير قلقا نفسيا عند أفراد هذا المجتمع . فليس من المنطقي أن نترك أعمالنا وما كلفنا به من مهام ونتفرغ للرد على أمثال هذه الشائعات هذا ما أخبر عنه النبي ﷺ حينما قال لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا.ومن باب فقه درء المفاسد ينبغي التصدي بكل ما أوتينا من قوة لمن يطلق هذه الشائعات المغرضة مستمسكين بكتاب الله القائل (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). إن ما تتعرض له مصرنا الغالية من هجمات شرسة من الخارج ومن الداخل من خلال نفوس مغرضة مريضة لا تحب الخير لهذا البلد، بغيتها نشر الفتن وإثارة الفوضى، عن طريق التشكيك في كل منجز تم على أرض الواقع متخذين من إطلاق الشائعات وسيلة لهم لتحقيق أغراضهم الدنيئة فهناك من ينشر شائعات مثل أننا نتعرض لانهيار اقتصادي، ألا يعلم هؤلاء أننا في مرحلة التعافي الآن وأن هذه الأزمة ضربت العالم بأكمله. وهناك من يطلق شائعة انحسار مياه البحر المتوسط واحتمالية كارثة طبيعية، ومن يطلق أننا سنصاب بالجدب والفقر المائي، أو من يطلق أن ثم فيروس خطير يهدد العالم مستخدما وسائل التواصل الاجتماعي لنشر هذه الشائعات ، فهل مطلوب منا أن نترك أعمالنا التي كلفنا بها ونرد على هؤلاء، لا وألف لا ، فعجلة الإنتاج انطلقت ولن توقفنا مثل هذه الترهات، وفي طريقنا إلى تنموية مستدامة إن شاءالله تعالى. رسول الله صل الله عليه وسلم تعرض لمثل هذه الشائعات في غزوة أحد وأطلقت شائعة مقتله، وإذا كان رد فعل الصحابة، ووقفوا وكأن على رؤوسهم الطير، لكنهم استجمعوا أنفسهم وقالوا هيا نموت على ما مات عليه ولملموا أنفسهم وعادوا إلى القتال مدافعين عن دينهم.. حقيق بنا أن نقدم تعريفا للشائعة. فالشائعات جمع شائعة، والشائعة عبارة عن معلومة أو فكرة أو خبر ليس لها مصدر موثوق، يتم الترويج لها ونقلها وإذاعتها في صورة شفهية أو مكتوبة أو مصورة عبر مصادر متعددة منها مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والصحف المجندة بهدف التأثير على الرأي العام لتحقيق أهداف شخصية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية. الله سبحانه وتعالى وصف مروجو الشائعات بالفسق وحث الناس على التثبت والتبين قبل قبول الخبر الكاذب. والقانون الوضعي المصري نص على معاقبة مروج الشائعات بالغرامة المالية التي تصل إلى مئتي ألف جنية والحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كما طالب مجلس النواب بتغليظ العقوبة على مروجي الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع لتصل إلى السجن لأكثر من عشر سنوات بدلا من ثلاث سنوات. أما بالنسبة للواجب علينا تجاه الشائعات النهي عن العجلة والتسرع ونشر الأخبار حين سماعها، بل لابد من التأمل الدقيق والتيقن من صحة الخبر والنظر العميق في حقائق الأمور وعواقبها. قال أهل العلم من الفقهاء وفيها تحريم إذاعة الأخبار خاصة في حالات المحن إلا بعد التأكد من صحتها وعدم الإضرار من نشرها. وهذا ما حذر منه رسول الله ﷺ إذ يقول كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. ومن أخطر صور الكذب إطلاق الشائعات وهذا النوع من الكذب يستخدمه أعدائنا لتدمير الشعوب ويسمونه بأسماء كثيرة منها حرب الأعصاب، والحرب النفسية. وقد حارب الإسلام الشائعات من خلال حادثة الإفك يقول الله سبحانه وتعالى (إن الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا بل هو خير). ومن التدابير النبوية في التعامل مع الشائعات دفع الذرائع المفضية إلى الشائعة فقد كان النبي ﷺ يترك بعض الأعمال قطعا لألسنة الشائعات، وسدا لحديث المغرضين والخائضين بالباطل وهذا من كمال حكمته ﷺ فقد ترك قتل بعض المنافقين مع اقترافهم ما يستوجب الخلاص منهم، من النكاية بالمسلمين والخيانة. ونحن لنا في رسول الله صل الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة الذي أمرنا بأخذ الحيطة والحذر من أمثال هؤلاء المغرضين وعدم الالتفات إلى ما يروجونه والمضي قدما إلى الأمام، فالألستة لن تسكت ولن تتوقف وإخراسها بالعمل والإنتاج لا بالرد عليهم فأبلغ رد هو ما يتحقق على أرض الواقع من منجزات.  أستاذ الفلسفة بآداب حلوان