محمد دياب يكتب: عدالة معوجة وضمير غربي معروض للبيع!

محمد دياب يكتب: عدالة معوجة وضمير غربي معروض للبيع!

حين يُباع الضمير الإنساني في مزادات المصالح، تتبدد القيم، وتُدفن الحقيقة تحت ركام النفاق الدولي، فتُقسّم الدماء حسب الهوية، وتُفلتر الصرخات، فلا يُسمع لها صدى إلا إذا خرجت من أفواه “مختارين” بعناية من دفاتر القوى الكبرى.

قُتل إسرائيليان أمام متحف يهودي في واشنطن، فاشتعلت قلوب الزعماء، وارتجفت منابر الإعلام، وتسابق قادة الغرب في نوبات بكاء سياسي مفتعل، مرددين عبارات من نوع “فعل شنيع”، و”جريمة لا تُغتفر”، و”صدمة الحضارة”. وفي المقابل، يُباد أكثر من مئتي ألف فلسطيني، وتُهدم بيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويُجَوّع شعب بأكمله، وتُدفن المستشفيات في التراب، ولا يُسمع تعليق واحد! أليس هذا كيلاً بمكيالين؟ أم أن إنسانية الفلسطينيين ما زالت محل مراجعة في دفاتر الغرب المتحضّر؟ حين وقفت الطبيبة آلاء النجار في مستشفى ناصر لتضمّد الجراح، لم تكن تعلم أن أبناءها التسعة قد سبقوها إلى الجنة شهداء. لم نرَ صورة واحدة لهم في صحف الغرب، ولم نسمع بياناً غاضباً من عاصمة أوروبية واحدة. وكأن دماء هؤلاء الأطفال لا لون لها، أو أن صرخاتهم ليست على تردد “الضمير العالمي”.. هل رأيتم الطفل الذي وُلد تحت الأنقاض بينما أمه تلفظ أنفاسها؟ هل قرأتم عن الطالب الذي قُتل بينما كان يحمل حقيبته وسط الركام؟ هذه الأرواح لا تستحق خبراً عاجلاً في نشراتهم، ولا شارة سوداء على شاشاتهملا أحد يُنكر حق أي إنسان في الحياة، لكن من ينكر على الغزاويين هذا الحق؟! من يصادر حياتهم باسم “الدفاع عن النفس”؟ من يبرر حصاراً عمره 19 عاماً، يمنع عنهم الماء والدواء والهواء؟ ومن يُجرّم تعاطف الطلاب مع غزة، كما فعل ترامب حين ضغط على جامعة هارفارد لإقصاء كل من تضامن مع فلسطين، في سابقة فجة تُعلن وفاة حرية التعبير في معقل الديمقراطية! نتنياهو في طليعة طابور الجريمة، تحرسه نظرات المتواطئين، وتحيطه أيادٍ صافحته وهي تقطر بدماء الأطفال، وصمتٌ دولي اختار أن يغلق عينيه أمام مذبحة شعب يُباد على الهواء مباشرة. يعلم أن الكاميرات لو نُصبت للحظة داخل غزة، لانكشف وجهه الحقيقي، لذلك يُمعن في تحويل الأنظار، ويُشهر ورقة “معاداة السامية” كسيف صدئ يقطع به كل صوت ناطق بالحقأي مفارقة تلك التي تجعل من القاتل ضحية، ومن المظلوم إرهابيّاً؟ كيف يُطالب الفلسطيني بوقف الحجارة، بينما تُبارك دبابات الاحتلال وهي تسوّي بالأرض بيوت العزيمة والصمود؟من صبرا وشاتيلا إلى جنين فـغزة، تتكرر الجرائم، وتتشابه المواقف: بيانات شجب باهتة، ومجالس أمن تتحول إلى مسارح عبثية، وحقوق إنسان لا تُفتح ملفاتها إلا على هوى الأقوياء..لقد صدق “توماس هوبز” حين قال: “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”، لكنه لم يكن ليتخيل أن هذا الذئب قد يرتدي بذلة دبلوماسية، ويجلس في مجلس الأمن، يوقع بفيتو يحمي القاتل ويدين القتيل!كان يُنتظر من الغرب أن يُرجّح كفّة العدل، فإذا به يُغمس يده في مستنقع الدم. بات الصمت سياسة، والانتقائية مبدأ، والتواطؤ عرفاً دوليّاً..نحن لا نطلب سوى العدل، لا نناشد إلا القيم التي طالما زعموا أنهم حماتها، فإذا بهم اليوم يدهسونها بأقدام مصالحهم الثقيلة..فليعلم الجميع: أن صمت القبور عن المأساة لن يعفي الأحياء من الحساب. وأن دموع أطفال غزة ستصير نهراً يغرق كل من تواطأ أو صمت وأن صوت العدالة – وإن خُنق – سيظل يطرق أبواب التاريخ حتى تُفتح لهفاحذروا فإن الجريمة لا تسقط بالتقادموإن الله ليس بغافلٍ عمّا يفعل الظالمون.