المهندس أمجد المناوي يتناول موضوع “عندما نغادر… يبقى الأثر”

في رحلة الحياة، يمضي الإنسان عبر محطات متعددة، تتقلب به الأيام بين فرحٍ وحزن، بين نجاحٍ وانتظار، بين لقاءٍ وفقد؛ يجري خلف الأحلام، ويصارع من أجل الطموحات، يبني ويعطي، ويحب ويخسر… لكنه، في نهاية المطاف، راحل. فالرحيل قانون من قوانين الوجود، لا يُستأذن، ولا يُؤجل.

 غير أن السؤال الأهم ليس: “متى نرحل؟” بل: “ماذا نترك خلفنا حين نرحل؟” ليس الجسد هو ما يخلّد الإنسان، فالأجساد تُوارى، والأسماء تُنسى… أما الأثر، فهو ما يبقى.أثرٌ في علمٍ علّمه، أو كلمةٍ ألهمت، أو خيرٍ فعله، أو موقفٍ نبيل ظل يُروى بعده.قد يرحل الصوت، لكن الصدى يبقى؛ وقد تنتهي الحياة، لكن العمل الصادق يستمر، يثمر، وينمو في أرض من عرفوه، وربما من لم يعرفوه. تأمّل في العلماء، والمفكرين، والمصلحين، وأصحاب القلوب الكبيرة… كثيرون منهم غادروا هذه الدنيا منذ أزمان بعيدة، لكن آثارهم لا تزال حاضرة؛ تُقرأ كتبهم، وتُردد أقوالهم، وتُسار على دروبهم. إن الأثر ليس بالضرورة أن يكون عظيمًا في أعين الناس؛ فقد تكون كلمة طيبة في وقتها، أو نصيحة صادقة غيّرت مجرى حياة، أو ابتسامة أزالت حُزناً، أو عطاء بسيط كان فرقًا في حياة أحدهم. وللأثر صور شتى:هناك أثر فكري، يُترك في كتاب، أو فكرة، أو رأي مستنير.وهناك أثر أخلاقي، حين يذكر الناس صاحب الخلق الكريم والمواقف الثابتة.وهناك أثر عملي، يُترجم إلى مشروع نافع، أو عمل خيري، أو إنجاز مجتمعي يُحسن من حياة الآخرين. وليس من شرط الأثر أن يكون مرتبطًا بالثروة أو الشهرة؛ بل يكفي أن يحمل الإنسان نيةً خالصة، وأن يعمل بصدق، ويمنح من قلبه، ويترك في كل طريق يمرّ به ما يدلّ على أنه كان هناك. إن ما يبقى من الإنسان، ليس ما امتلكه من مال أو جاه، بل ما منحه من حب وخير وعلم ونُبل.وما يبقى من اسمه، ليس صوته، بل صداه في قلوب الناس، وحضوره في ذكرياتهم، وسيرته حين يُذكر في غيابه. فاختر أن تكون ممّن يُقال عنهم: “مرّ من هنا… وترك أثراً.” خلاصة القول: لن تُقاس حياتك بما ملكت، بل بما منحت.ولن تُخلّدك المناصب ولا الألقاب، بل تُخلّدك القلوب التي مسّها خيرك، فرفعت يديها تدعو لك بصدق في الغيب والغياب.تُخلّدك الأفعال التي بقي أثرها، والكلمات التي أنارت دروباً بعدك، والمواقف التي ظلّ صداها حيًّا في ضمير من عرفوك. فرحيلك عن الدنيا حتمي، لكن الأثر الذي تتركه فيها خيار.فاختر أن تترك ما يبقى، حين لا تبقى.ازرع خيرًا، ولو بكلمة، وامنح قيمة، ولو بابتسامة، ودع حياتك تتحدث بعدك. فلا تجعل مرورك في الحياة صامتًا… بل اترك أثراً يليق بك، ويشهد أنك كنت هنا.