قضيت ليلة مخيفة لا تُنسى في الإسكندرية

لا أدري بأي الحروف أبدأ.. فقد غرقت الكلمات في مشاعر الخوف والقلق والترقب أيضا كما غرقت غرفتى المطلة على بحر الإسكندرية اليوم فجرا في أعنف عاصفة مائية ضربت عروس البحر المتوسط النائمة علي بساط مائي ساحر يلوذ به كل من يسكن المدن الحارة كى يلتقط أنفاسه قليلا من لهيب الصيف “وعمايله بنا”
أن تستيقظ علي صوت يد قوية تطرق الزجاج العريض الذي تنام أسفله بوحشية شديدة وتكرار مدوى دون توقف وصوت رياح مرعب كأنه زئير الأسد الغاضب الذي يكاد أن يفترسك باى لحظة، حتى انك علي يقين بانه سينفجر حالا ،”لولا ستر الله” وقد حدث بالفعل هذا مع بعض الغرف الاخرى بالفندق.أتساءل فى حيرة من أين جاءت هذه المياه التي غمرت غرفتى بالدور السادس وغيرها بالأدوار الأعلى والزجاج محكم الغلق؟لحظات غامضة ومتعبة كمشهد صوت وميض البرق والرعد الهائل اللذي يهز مبنى الفندق القديم هزا دون رحمة، لحظات وأنا أحاول أن أستوعب ما يحدث حولي.. لحظات أفقت فيها على صوت صديقتي الغالية الإذاعية الكبيرة عزة جنيدي وهى تردد بصوت عال متوتر “اصحى بسرعة يلا نمشى الفندق حيقع” صحوت على صراخ النساء وبكاء الأطفال الخائفة وصوت التزاحم والتدافع للهروب ممايهاجمهم وكأنه وحش طريد والنزول سريعا إلى بهو الفندقفى الحقيقة كانت لحظات أشبه بجبال شديدة الارتفاع، مهيبة سوداء اللون مرعبة التكوين والشكل ،خرجت فيها عن حرصى عن الظهور بما يليق من ملبس ومظر امام الاخر ،فقط كل ما همني أن أحاول فتح باب الغرفة العنيد وكأن عشرة رجال يمسكون به ويغلقونه من الخارج ،فقد كان زئير الرياح وغضبها أشد من أى قوة الرجال والنساء والاطفال جميعهم يهرعون الى السلالم للنجاة بأنفسهم والهروب من الموت القريب منهم متغاضيين عن العتمة والأبواب المحطمة والزجاج المهشم الملقى على الأرض تحت أرجلهم الذي يدوسونه فى طريقهم دون انتباهة منهم للوصول سريعا إلى بهو الفندق المقابل للبحر الغاضب والذي حطم الكثير من واجهته الزجاجية والأبواب الخشبية واوقع بالعمدان الحديدية التي تقف أمامه فى شموخ بكل سهولة أرضا حتى انها حطمت بدورها بعض السيارات المركونة امامه نعم امتلأ “لوبى” الفندق بكل النزلاء الذين عاشوا دقائق وساعات مظلمة كأنها نسخة من فيلم اجنبي كثيرا ما تناول هذا الاعصار مثل” “الأعاصير” (Twisters) و”في داخل العاصفة” (Into the Storm) و”المستحيل” (The Impossible) نعم هكذا كا وكل ماشاهدته من هلع الزوجات وبكاء الاطفال ومحاولة الأزواج والآباء التحامل على أنفسهم والتماسك أمام أبنائهم وزوجاتهم، بعد أن هدأ الإعصار قليلا، بعضهم أصر على مغادرة الفندق في الحال في سيارته المهشمة زجاجها، أحدهم اضطر للمكوث انتظارا لإجراء عملية لزوجته متجرأ علي خوفه في مواجهة توابع هذا الإعصار المدمر. نعم إنها لحظة فارقة ما بين الحياة الموت عشتها كلحظة هجوم البرق والرعد والريح والماء علينا من قلب البحر الهائج.. لحظة تحاول فيها أن نتكئ فيها قليلا على أرواحنا التعبة لكي نمنحها هدنة للتفكير بهذا الكون الغاضب وعدم رضاه علينا منذ أيام مضت بدءا من وقوع زلزالين عنيفين في أسبوع واحد اهتزت له الأجساد والعمارات على إثرهما مرورا بما حدث اليوم من عاصفة مائية مدمرة تنذرنا بأن نتقي الله في أنفسنا وفى غيرنا وأن نكون سندا للحق والضعفاء مهما كلفناوأن الحياة ليست عصية على هزة زلازل أو زمجرة إعصار.. وأن الحياة ليست عصية على هزة زلازل أو زمجرة إعصار.