المهندس إيهاب محمود: تغير المناخ يتجاوز كونه أزمة بيئية، فهو تهديد وجودي للأمن القومي في مصر.

المهندس إيهاب محمود: تغير المناخ يتجاوز كونه أزمة بيئية، فهو تهديد وجودي للأمن القومي في مصر.

إعصار الإسكندرية جرس إنذار 

في ظل التصاعد المستمر لتداعيات تغيّر المناخ حول العالم، لم يعد هذا الملف رفاهية دول متقدمة، ولا محصورًا في النطاق البيئي فقط، بل بات أزمة شاملة تهدد الاقتصادات، وتضرب المجتمعات، وتغير ملامح الدول. وفي هذا السياق، أدلى المهندس إيهاب محمود، الخبير الاقتصادي ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الجيل الديمقراطي بالإسكندرية، بتصريحات مهمة، تناول فيها تأثير تغيّر المناخ على مصر، داعيًا إلى استراتيجية وطنية متكاملة تضع الأمن البيئي في صدارة أولويات الدولة.  أولًا: تغيّر المناخ يهدد موارد مصر الأساسية بدأ المهندس إيهاب حديثه بالتأكيد على أن مصر من أكثر الدول تأثرًا بتغير المناخ رغم أنها من أقل الدول مساهمة في انبعاثات الكربون، مشيرًا إلى أن التغيرات المناخية تضرب بقوة ثلاثة ملفات مصيرية:  1. المياه: انخفاض حصة الفرد من المياه سنويًا وتراجع منسوب نهر النيل. 
2. الزراعة: تأثر محصول القمح والأرز والذرة نتيجة التغيرات الحرارية والرياح الموسمية. 
3. السواحل: تهديد مباشر لمدن الدلتا، خاصة الإسكندرية ودمياط، بفعل ارتفاع منسوب البحر.  وقال: “تغيّر المناخ ليس مجرد درجات حرارة ترتفع، بل هو تهديد لحق المواطن في المياه، والغذاء، والسكن، والأمان. نحن نتحدث عن خطر وجودي يستدعي إعلان حالة طوارئ بيئية”.  ثانيًا: الأمن الغذائي في مرمى الخطر أكد المهندس إيهاب أن الزراعة المصرية تواجه تحديات غير مسبوقة بسبب موجات الجفاف، وقلة الأمطار، وتغير مواسم الزراعة. وتابع قائلًا إن الأمن الغذائي بات عرضة للتهديد في ظل ارتفاع تكلفة استيراد الحبوب والزيوت، وانخفاض الإنتاج المحلي بسبب الاحتباس الحراري.  وأضاف: “نحتاج إلى خريطة زراعية جديدة تراعي المناخ، وأبحاث علمية تدعم المزارع المصري، وحوافز لزراعة المحاصيل الأقل استهلاكًا للمياه. الأمن الغذائي لم يعد خيارًا بل هو معركة حياة أو موت”.  ثالثًا: الاقتصاد الأخضر.. فرصة لمصر لا يجب أن تُهدر وفي رؤيته المستقبلية، دعا المهندس إيهاب إلى أن تتحول مصر إلى دولة رائدة في الاقتصاد الأخضر، عبر التوسع في الطاقة المتجددة، وتشجيع الصناعات النظيفة، وتقديم حوافز للمشروعات البيئية.  وأشار إلى أن العالم يتجه اليوم إلى الاستثمار في الابتكار البيئي، وأن على مصر أن تستفيد من التمويلات الدولية المتاحة ضمن آليات “التمويل المناخي”، مضيفًا:   “لدينا شمس ساطعة طوال العام، ومساحات شاسعة في الصحراء، وعقول شابة قادرة على قيادة ثورة بيئية واقتصادية إذا توفر الدعم السياسي والمؤسسي”.  رابعًا: العدالة المناخية.. صوت الجنوب يجب أن يُسمع وفي حديثه عن البعد الدولي، أشار رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الجيل الديمقراطي إلى أن قضية العدالة المناخية لا تزال غائبة عن مراكز القرار العالمي، حيث تتحمل الدول الفقيرة العبء الأكبر من الكارثة المناخية رغم أنها لم تسهم في صناعتها.  وأضاف: “على مصر أن تقود تحالفًا أفريقيًا وعربيًا يطالب بحقوق الجنوب في التمويل والتكنولوجيا، ويضغط على الدول الصناعية لتتحمل مسؤوليتها التاريخية”.  خامسًا: مناهج التعليم والإعلام البيئي.. ضرورة لتغيير الوعي ودعا المهندس إيهاب إلى إدخال مفاهيم التغير المناخي في مناهج التعليم الأساسي والجامعي، وتوسيع نطاق الإعلام البيئي الذي يشرح المخاطر ويوجه الناس نحو ثقافة الترشيد.  وتابع قائلًا:  “مقاومة تغيّر المناخ تبدأ من الوعي الشعبي.. المواطن الذي يدرك أثر أفعاله هو أول حائط صد في مواجهة الكارثة”.  سادسًا: رسالة إلى الحكومة والأحزاب تابع المهندس إيهاب حديثه برسالة صريحة إلى الحكومة وكل القوى الوطنية، مؤكدًا أن تغيّر المناخ ليس ملفًا بيئيًا فقط، بل قضية أمن قومي شاملة، مطالبًا بإنشاء مجلس أعلى للتغيرات المناخية، يضم خبراء الاقتصاد والمناخ والطاقة والمجتمع المدني، ويضع خريطة طريق وطنية لعشرين عامًا قادمة.  سابعًا: إعصار وأمطار الإسكندرية.. نذير بيئي لا يجب تجاهله
بوصفه ابنًا لمحافظة الإسكندرية، أعرب المهندس إيهاب عن قلقه الشديد من التأثيرات المناخية على المدينة الساحلية الأهم في مصر، محذرًا من أن ارتفاع منسوب البحر قد يُغرق أجزاء من الشواطئ ويؤثر على البنية التحتية والسياحة والاستثمارات.  
وفي سياق متصل، توقف المهندس إيهاب محمود عند ما شهدته محافظة الإسكندرية مؤخرًا من موجات عنيفة من الأمطار المصحوبة برياح شديدة وصلت إلى حد الإعصار الجزئي، مشيرًا إلى أن ما حدث لم يكن ظاهرة طبيعية عادية، بل ناقوس خطر واضح على مدى هشاشة البنية التحتية في مواجهة التغيرات المناخية المتسارعة.  وقال بحزم:  “ما جرى في شوارع الإسكندرية ليس مجرد أزمة صرف صحي، بل هو نموذج حي لكيف يمكن أن يضرب التغير المناخي قلب مدينة ساحلية كبرى، ويشل الحياة فيها خلال ساعات. انقطاع الكهرباء، غرق عشرات السيارات، انهيار بعض العقارات، وخسائر بالملايين، كلها نتائج مباشرة لخلل في التخطيط وضعف في الاستعداد لمثل هذه الظواهر”.  وأشار إلى أن الكارثة البيئية التي ضربت المدينة كشفت عجز البنية التحتية عن التعامل مع موجات الطقس المتطرفة، وهو ما يتطلب خطة وطنية عاجلة لتحديث الشبكات الحيوية في المدن الساحلية، خاصة الإسكندرية، والتي وصفها بـ”الخط الدفاعي الأول لمصر أمام تغيّرات البحر المتوسط”.  وأضاف: “إن لم نتحرك الآن لتهيئة مدننا لمناخ مختلف تمامًا عما عرفناه لعقود، فسندفع الثمن مضاعفًا ، والمسؤولية هنا لا تقع على المحليات وحدها، بل على الدولة كلها، في التخطيط والتمويل والتنفيذ”.  وأكد أن ما يحدث ليس حالة استثنائية، بل سيتكرر ويتصاعد، ما لم يُدمَج ملف التغيرات المناخية في كود البناء، وتصميم شبكات الطرق، والسياسات الحضرية، داعيًا إلى إنشاء وحدة تدخل سريع لمواجهة الكوارث البيئية داخل كل محافظة.  وقال في كلمته الختامية: “مصر لا تملك رفاهية التأجيل. إذا أردنا أن نحمي حاضرنا ومستقبلنا، فعلينا أن نضع البيئة في قلب الاقتصاد، والمناخ في صميم القرار السياسي”.خاتمة:حديث المهندس إيهاب محمود يعكس رؤية شاملة ومسؤولة لقضية مصيرية قد لا تحظى بالاهتمام الإعلامي الكافي، لكنها تمس حياة كل مواطن مصري. إنها دعوة للاستفاقة الوطنية أمام خطر لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يهدد كل ما تم بناؤه. وبينما يرفع السياسيون أصواتهم في قضايا السياسة والاقتصاد، يثبت المهندس إيهاب أن السياسة الحقيقية هي التي تحمي الإنسان والبيئة والكرامة معًا.  تسجيلي