قصة مؤثرة لسيدة سودانية أنجبت طفلتها في سيارة الإسعاف بمحافظة الشرقية

على ضفتي نهر النيل، لم تكن العلاقة بين مصر والسودان يومًا مرهونة بتوقيع معاهدات أو تقييدها بخطوط الحدود، ما يجمع الشعبين ليس فقط النهر والتاريخ واللغة، بل روابط عميقة من الدم والأخوة والمصير المشترك، لا تنفصم في لحظات الشدة، بل تتجلى قوتها حين تختبرها الحياة.
وهكذا كانت الحكاية في قلب الريف المصري، وتحديدًا بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، حيث كتبت الأقدار فصلًا جديدًا من الإنسانية، بطلته أسرة سودانية فرت من أتون الحرب والدمار في وطنها، لتحط رحالها في أرض مصر، بحثًا عن الأمان والسكينة. في صباح بدا عاديًا لكنه لم يكن كذلك، استيقظت الأسرة السودانية على صوت الألم، ألم المخاض الذي باغت الأم في لحظاتها الأخيرة من الحمل، في مزرعة نائية استقروا بها، لا جيران قريبون، ولا مستشفى في المتناول، ولا حتى وسيلة نقل مناسبة. الزوج متماسك الظاهر ومرتبك الأعماق، امتطى دراجته النارية البسيطة، وقادها بجنون في الطرق الترابية، حالمًا فقط بأن يصل إلى أي يد ممدودة للنجدة، وفي نقطة إسعاف “المصانع”، حيث ترابط سيارة الإسعاف “كود 1165″، توقفت الحياة للحظة، ثم تحركت بكل ما فيها من إنسانية.قرع الزوج باب نقطة الإسعاف بعنف، لم يحمل في يده أوراق هوية، ولم يقدم دليلاً على مقدرته المالية أو تأمينه الصحي، لكنه حمل في عينيه استعطافًا، وفي صوته استغاثة لأجل حياة قادمة. لم يتردد المسعف وحيد عبد المنعم محمد، ولا زميله حسن محمد حسن، لم يسألاه من أنت؟ أو من أين أتيت؟ أو هل تملك ثمن البنزين؟ بل حملوا معداتهم وركبوا سيارة الإسعاف خلفه مباشرة، وكأن نداء الحياة في انتظارهما. في دقائق كانت سيارة الإسعاف تقف في وسط المزرعة، حيث كانت الأم تصارع ألمًا ومخاوفًا بلا سند، حتى وصل رجال الإسعاف الذين بثوا الطمأنينة في قلبها، بدأت عملية الولادة وسط ظروف شديدة التواضع، دون أدوات متخصصة أو بيئة طبية مثالية، لكن بقلوب محترفة وشغف لخدمة الإنسان. وجه المسعف وحيد الأم، هدأ من روعها، شجعها، ورافقها في رحلتها القصيرة نحو الأمومة، وبالفعل وُلدت الطفلة السودانية، جميلة، بصحة جيدة، وسط تهليل والدها ونظرات الامتنان الصامتة. قام وحيد بقطع الحبل السري، وتجفيف الطفلة، وتحفيز تنفسها، والاطمئنان على العلامات الحيوية لها ولأمها، وكأنما كان يحمل بين يديه رسالة مصر إلى أهلها في السودان: نحن معكم في الحياة كما في النكبات. قد لا تدرك تلك الصغيرة الآن معنى أن تبكي لأول مرة في أرض لم تولد بها أمها، وقد لا تعرف معنى أن يولد المرء بعيدًا عن وطنه، لكن المؤكد أنها بُعثت في حضن وطن لم يسأل عن جنسيتها، بل استقبلها كما يستقبل المصريون أبناءهم. في وقت تسود فيه المعاناة كثيرًا من أوطان العرب، تأتي هذه القصة كوثيقة حية على أن الإنسانية لا تحتاج جواز سفر، وأن الأخوة لا تقاس بخطوط الحدود، بل بمدى احتضاننا لبعضنا حين تشتد المحن.