دروس وعبر من موسم الحج

دروس وعبر من موسم الحج

يقف ملايين المسلمين اليوم على صعيد عرفات الركن الأعظم فى فريضة حج بيت الله، تلك العبادة التي أمر الله بها من استطاع إليه سبيلا.

وفى هذا الركن الخامس من أركان الإسلام، الذي منّ الله علىّ بأدائه، رسائل بليغة وعظات ودروس ودلالات، يُبحر فيها من يتمعن فى مناسك الحج. يبدأ الحج بالنية والتلبية، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، وهى تلبية لدعوة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي استجاب لأمر الله:«وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عَميقٍ» صدق الله العظيم.أطاع سيدنا إبراهيم الأمر ونادى فى الناس، وسمع النداء فى الأصلاب كل من كتب الله له الاستطاعة، ولذا يلبى الحجيج أمر الله قائلين: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك».يحرم الحاج، وفى الإحرام رسائل، ارتداء قماش أبيض غير مخيط، أشبه ما يكون بالكفن، وهو رمز للتحرر من متاع الدنيا، ورمز للمساواة بين العباد، الجميع يذهبون إلى الله في بيته العتيق متحررين من متاع الدنيا، متساوين.. الملوك والفقراء جميعهم فى لباس واحد.طواف القدوم، سبعة أشواط حول البيت العتيق، تبدأ بالقول: «اللهم إيمانًا بك وتصديقًا لكتابك واتباعًا لنبيك، بسم الله والله أكبر»، وفى هذه الكلمات دلالات مفادها أننا نطوف بالبيت العتيق ليس للحجر في ذاته، بل إيمانًا بالله وتصديقًا لكتاب الله الذي أمرنا بالحج واتباعًا لسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكل أفعالنا باسم الله والله أكبر من كل شيء.فى كل مناسك الحج عظات تستوجب من مؤدى الفريضة أن يتأمل دلالتها، فالبيت العتيق بنته الملائكة، ورفع قواعده سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل، ذلك الذي كان طفلًا عندما تركه والده مع أمه «بوادٍ غير ذى زرعٍ عند بيت الله المحرم» هناك هرولت السيدة هاجر بين الصفا والمروة تسعى ذهابًا وإيابًا بحثًا عن ماء لصغيرها الذي منّ الله عليه بتفجر ماء زمزم تحت قدميه.ومن ماء زمزم يرتوى الحجاج والمعتمرون، ويهرولون فى سبعة أشواط بين الصفا والمروة على خطى السيدة هاجر المصرية زوج نبى الله إبراهيم وأمّ نبى الله إسماعيل.وفى عرفات يقفون على صعيد تعارف فيه أبو البشر سيدنا آدم على أمهم حواء بعدما افترقا عند نزولهم من الجنة إلى الأرض.وفى منى يرمى الحجيج الجمرات، التي ترمز إلى مواجهة سيدنا إبراهيم للشيطان الرجيم الذي حاول إثناءه عن طاعة أمر ربه قال تعالى: « فلمَّا بلغَ معهُ السعى قَالَ يا بُنى إنى أرَى فى المنامِ أنّى أذبحكَ فانظر ماذا ترى قال يا أَبتِ افعل ما تُؤمرُ ستجدنى إن شاء اللهُ من الصابرينَ».وهنا يتجلى درس طاعة الأب، وتصديق النبى لأمر الله، وعندما أقدم النبى على ذبح ابنه، جاءت رحمة الله «وفديناهُ بذبحٍ عظيم» صدق الله العظيم، فدى الله سيدنا إسماعيل رحمة به وبأبيه، ومن هنا تأتى الأضحية فى عيد الأضحى، عندما نطيع أمر الله ونضحى بأموالنا لإطعام الأهل والفقراء يكون ذلك فداء لما لا نعلمه ويعلمه الله.ومع شروع سيدنا إبراهيم فى ذبح ابنه إسماعيل تجسد الشيطان محاولًا إثناء سيدنا إبراهيم عن تنفيذ أمر الله، لكن النبى رجمه بسبع حصوات ليبعده، وكرر الشيطان فعلته وعاود النبى رجمه، حتى ذهب إلى غير رجعة فى الرابعة.ولهذا يرجم الحجاج الشيطان بجمرة العقبة وفى أيام التشريق الثلاثة. والمتأمل فى هذه المناسك يجدها سيرًا على خطى الأنبياء، لتذكر ما كان فى بداية الخلق، وكيف أطاع الأنبياء أوامر الله فكان رحيمًا بهم، وكيف يواجه الإنسان الشيطان، الذي لن يكف عن الغواية، وكما كانت رحمة الله واسعة بنبيه إبراهيم وابنه إسماعيل، فإن الله رحيم بضيوفه، يعود من يخلص نيته ويتقبله الله كما ولدته أمه مغفورًا له ما تقدم من ذنبه.كثيرة هى العظات، والأسرار ومنها رقم سبعة .. سبعة أشواط للطواف حول البيت العتيق، وسبعة أشواط للسعى بين الصفا والمروة، وسبع حصوات تلقى فى جمرة العقبة، وألوان الطيف سبعة، وأيام الأسبوع سبعة، والسلم الموسيقى سبعة، والسماوات سبع.. هل هذا كله صدفة؟  قطعًا هناك سر فى الرقم.تقبل الله من حجاج بيته العتيق، فالكريم من البشر يكرم ضيفه، فكيف بضيوف الله أكرم الأكرمين، اللهم ارزقنا الحج وزيارة بيتك العتيق مرات عديدة، وكل عام ومصر وأمتنا الإسلامية والعربية والعالم بخير.