مصر تستجيب من خلال التصنيع والنمو والتصدير

مصر تستجيب من خلال التصنيع والنمو والتصدير

فى حلقة جديدة من مسلسل التشويه المتكرر، نشرت مجلة الإيكونوميست تقريرًا يحمل نظرة قاتمة عن الاقتصاد المصري، متجاهلة عمدًا التحولات الجوهرية التي تشهدها مصر على مختلف الأصعدة الاقتصادية، ورغم أن التقرير يفتقد للتوازن والحيادية، إلا أنه لم يكن مفاجئًا لمن يراقب خط تحرير المجلة البريطانية، التي لطالما تبنّت موقفًا سلبيًا تجاه مصر منذ عقود، خاصة بعد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بمشروع الفوضى فى المنطقة، لكن الحقيقة التي تحاول المجلة تجاهلها أن الاقتصاد المصري، رغم التحديات الهائلة كجائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة سلاسل الإمداد، يواصل تقدمه بخطى ثابتة نحو التوطين الصناعي، وتعزيز الصادرات، وزيادة الناتج المحلى.

ففى الوقت الذي تعانى فيه اقتصادات كبرى من أزمات متتالية، تمكن الاقتصاد المصري من الحفاظ على توازنه، بدعم من: زيادة عدد المصانع: فوفقًا لبيانات وزارة التجارة والصناعة، تجاوز عدد المنشآت الصناعية الجديدة 5 آلاف مصنع خلال السنوات الأخيرة، فى إطار سياسة توطين الصناعات وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بجانب نمو الصادرات حيث ارتفعت الصادرات المصرية غير البترولية بنسبة تفوق 15% خلال عام 2024، لتتوجه إلى أسواق أوروبا وأفريقيا وآسيا، فى انعكاس مباشر لجودة المنتج المصري وثقة الأسواق الخارجية، فضلا عن توسيع قاعدة الإنتاج المحلى عبر مبادرات مثل “ابدأ”، وبرامج دعم التصنيع المحلى، كما توسعت مصر فى إنتاج مكونات صناعية كانت تُستورد بالكامل فى الماضى، مما عزز من قوة الجنيه وقلل من فجوة العجز التجاري.وفى مفارقة لافتة، تتجاهل الإيكونوميست أن الولايات المتحدة، التي تنتمى المجلة فكريًا إلى منظومتها الليبرالية الاقتصادية، تعيش واحدة من أعقد أزماتها المالية على الإطلاق، إذ تجاوز الدين العام الأمريكى 34 تريليون دولار، وهو ما يفوق الناتج المحلى للبلاد بأكثر من 120%،فإذا كان معيار النجاح الاقتصادى عند المجلة هو “القدرة على الاقتراض”، فربما يجب عليها أن توجه أسئلتها أولًا لصنّاع القرار فى واشنطن، حيث تخوض الحكومة صراعات متكررة لتفادى الإغلاق المالى، فى مشهد لا يليق بالقوة الاقتصادية الأولى عالميًا.فيما أكد خبراء الاقتصاد، أن عددا كبيرا من الدول المتقدمة يعانى من ديون خارجية ضخمة، بل إن بعض هذه الدول على رأس قائمة أكثر الدول مديونية فى العالم، سواء من حيث القيمة المطلقة أو كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، فعلى سبيل المثال إجمالى الدين العام لليابان يمثل أكثر من 10 تريليونات دولار، ونسبة الدين إلى الناتج المحلى أكثر من 260% (الأعلى عالميًا)، وذلك رغم أنها دولة صناعية عملاقة، تعانى من ديون ضخمة، والمملكة المتحدة بلغ إجمالى الدين الخارجى لها أكثر من 9 تريليونات دولار، نسبة الدين إلى الناتج المحلى تتجاوز 100%.وفرنسا إجمالى الدين لها حوالى 3.5 تريليون دولار، بنسبة الدين إلى الناتج المحلى حوالى 110% والاقتصاد الفرنسى يعانى من تباطؤ فى النمو، فى حين يزداد الضغط على الميزانية العامة، وإيطاليا إجمالى الدين بلغ نحو 3 تريليونات دولار بنسبة الدين إلى الناتج المحلى تتجاوز 140%، وتُعد من أكثر دول الاتحاد الأوروبى مديونية، وسط ضعف فى الإنتاجية ونمو اقتصادى بطىء. وفى ألمانيا رغم أنها أكثر انضباطًا ماليًا، إلا أن إجمالى الدين العام بلغ أكثر من 2.5 تريليون دولار بنسبة الدين إلى الناتج المحلى تقارب 65-70%، لكن لا تزال عليها ديون خارجية ضخمة بسبب التزاماتها الأوروبية، وفى كندا بلغ إجمالى الدين العام نحو 2.3 تريليون دولار بنسبة الدين إلى الناتج المحلى تفوق 100%.وأشار الخبراء، إلى أن الدَين العام لا يعنى فشل الاقتصاد مباشرة، لكن المعيار الحقيقى هو قدرة الدولة على السداد، والنمو، والإنتاج والتصدير.ومن هذا المنطلق، فإن انتقاد الاقتصادات الناشئة مثل مصر بسبب الديون، بينما الدول المتقدمة نفسها مغمورة فى الديون، يُعد تناقضًا واضحًا ويعكس ازدواجية فى المعايير.وجدير بالذكر أنها ليست هذه المرة الأولى التي تنشر فيها المجلة تقارير مشبوهة عن مصر، ففى أعقاب ثورة 30 يونيو، تبنّت المجلة خطابًا معاديًا لخريطة الطريق السياسية التي أجمعت عليها قوى الداخل المصري، كما روّجت لسرديات مغلوطة حول الوضع الأمنى فى سيناء، وتجاهلت التضحيات التي قدمها الجيش المصري فى مواجهة الإرهاب.وفى عام 2016، نشرت المجلة تقريرًا توقعت فيه “انهيار الاقتصاد المصري خلال عامين”، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، حيث نجح برنامج الإصلاح الاقتصادى بالتعاون مع صندوق النقد الدولى فى دعم الاستقرار المالى وتقليص عجز الموازنة.فى حين تتفرغ بعض المنصات الغربية لتشويه الإنجازات المصرية، بينما تسير القاهرة نحو المستقبل بخطط تنموية واضحة، تبدأ من دعم الصناعات الوطنية، ولا تنتهى عند مشروعات الطاقة النظيفة، وتوسيع القاعدة التصديرية، والاندماج فى سلاسل القيمة العالمية.قد تكتب “الإيكونوميست” ما تشاء، لكن المؤشرات لا تكذب: مصر تصمد، تبنى، وتصدر.. فى طريقها لتصبح مركزًا اقتصاديًا إقليميًا فاعلًا، رغم أنف المشككين.وأكدت د.يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن الاقتصاد المصري واعد ويحمل آفاقا واعدة للغاية لا سيما مع تهيئة مناخ الاستثمار وتزليل العقبات أمام المستثمرين ومنها إصلاح منظومة الجمارك والضرائب بما يذلل العقبات أمام المستثمرين، موضحة أن ما أثير عبر مجلة الإيكونوميست قد يعود لنقص فى المعلومات التي اعتمدت عليها فى نشر التقرير، لا سيما وأن الاقتصاد المصري يمتلك طاقات جبارة مكنته من الصمود فى وجه العديد من الأزمات الكبرى، مشددة على ضرورة الاهتمام بقطاع المشروعات الصغيرة وتدريب الشباب حيث تمثل المشروعات الصغيرة قاطرة تنمية.