كرامة المصري حتى آخر لحظة.. ولا مجال للمزايدة!

على الدوام نجد بطولة وجدعنة المصري حاضرة فى أصعب المواقف واتخاذ القرار دون أدنى تفكير فيما سيحدث من جراء ذلك الموقف البطولى الذي يتخذه، حتى لو كان الثمن حياته، حيث يصبح كل تفكيره هو التدخل السريع لإنقاذ الموقف الخطر.. ولمَ لا، والمعروف بشجاعته وشهامته من بين كل شعوب العالم.. هو الشعب المصري.
ففى خلال فترة وجيزة مؤخرا، كان هناك موقفان يعكس كل منهما تلك البطولة الفورية لإنقاذ أرواح ناس معرضة للموت، هما الموقف الأول، سائق التوك توك بالإسكندرية والآخر “الشهيد” سائق الشاحنة للمحملة بالبنزين بالعاشر من رمضان. ولأن دائما فى الشدائد تظهر الرجال، كانت النوة الشديدة والعاصفة التي ضربت محافظة الإسكندرية، ومع شدة تلك العاصفة التي تكاد الأولى من نوعها، لم يكن يتخيل شدتها أهالى الإسكندرية، مما كانت حركة المواطن عادية من قبل اجتياحها. وكان من بين المواطنين السيدات والأطفال، ومنهم سيدتان ومعهما أطفالهما وكان هطول المطر قد اشتد مع نزول الثلج بكثافة، ولم يتردد سائق التوك توك “أحمد” فى توصيلهما وكان طريقهما المرور من نفق سيدى بشر، الذي كان امتلأ بالمياه مع اشتداد السيول و البرق والرعد مع أقسى نوبات الطقس والعاصفة الشديدة، مما أدى إلى غرق أنفاق وشوارع رئيسية، بالإسكندرية وتوقف شبه تام لحركة المرور في بعض المناطق، وكان أبرزها نفق سيدي بشر، وهنا ظهرت قصة بطولة سائق توك توك الإسكندرية. فمع اشتداد هطول السيول مع البرد القارس، وامتلاء نفق سيدى بشر بالمياه، أصبح من الصعوبة مواصلة التوك توك فى السير، وبدون تفكير قرر السائق “أحمد”، أن ينقذ السيدتين وأطفالهما سيرا على الأقدام وحمل الأطفال على كتفيه خوفا من الغرق فى المياه، ولم يفكر فى ذلك الوقت فى ترك التوك توك وحده وتعرضه للغرق من شدة السيول، حتى نجح فى إنقاذهم جميعا بعيدا عن المياه.وعندما عاد إلى النفق مرة أخرى، لإخراج التوك توك، لم يجده واكتشف أنه غرق تحت المياه العالية، وكان لا بد من الانتظار لشفط المياه لإظهار التوك توك وإخراجه. وقد يرى البعض أن ما فعله السائق أمر عادي في تلك الظروف، ولكن هذا ليس عاديا بأى حال من الأحوال، حيث فضل القيام بإنقاذ من معه والأطفال، دون التفكير ولو لحظة أن الأفضل بالنسبة له، هو إنقاذ التوك توك الذي يمثل مصدر رزقه وأسرته، حيث تعرض للتلف الكبير.وعلى ذلك فهى تضحية وبطولة معا من سائق التوك توك، ولابد الإشادة بها، بل والتكريم أيضا لشجاعته. وفى محاولة لرد الجميل أطلق أحد سكان الإسكندرية وصاحب معرض سيارات، مبادرة لدعم سائق التوك توك الغارق لمحاولة إصلاحه وإعادته للعمل.ثم تأتي قصة الشهيد بطل العاشر من رمضان.. هو سائق شاحنة البنزين خالد عبد العال ابن قرية مبارك بمركز بني عبيد بمحافظة الدقهلية، فى يوم صيفى وكان الجو حارا جدا والشمس حارقة، ودخل محطة وقود في المجاورة 70، بمدينة العاشر من رمضان وأدى مهمته وكان يستعد لمغادرة المحطة، وفجأة حدث انفجار، وبدأت النيران تخرج من أسفل الشاحنة، وسمع صوت صراخ، بأن تانك الوقود انفجر، وزادت النيران وبدأت تلتهم السيارة، وأصبح السائق خالد أمام خيارين، إما الهروب من السيارة وينجو بنفسه خارج محطة الوقود تاركا السيارة بنيرانها وحدوث كارثة مروعة لا يعلم نتائجها سوى الله سبحانه وتعالى، أو القيام بعمل بطولي.وقرر أن ينطلق بالشاحنة بسرعة كبيرة جدا وهى مشتعلة بالنيران، محاولا الابتعاد بها عن خزانات الوقود حتى لا تنفجر وأيضا عن المواطنين الذين فزعوا من الانفجار والنيران وقاموا بالجرى بأقصى سرعة. وكان القرار الذي اتخذه السائق خالد ليس باليسيير على أى إنسان، حيث كان ينطلق بالشاحنة وهى مشتعلة بالنيران التي بدأت تصل إلى جسده واشتعلت به، ولم يفكر لحظة فى احتراقه أو وفاته، ولكن هناك هدفا واحدا هو الابتعاد عن المحطة قبل انفجارها وتصبح كارثة بكل المقاييس. وبالفعل نجح السائق فى أداء مهمته والابتعاد عن المحطة، ولكن كان غالبية أجزاء جسده قد طالها الحريق واحترقت، واستجاب مستشفى “أهل مصر للحروق” لاستغاثات الأهالي، واستقبله لتلقي العلاج.. حتى وافته المنية متأثرا بجراحه، رحمة الله عليه ويجازيه الله خيرا على تضحيته الغالية بعمره. وفى خطوة تأييد لموقف السائق الشجاع الذي ضحى بجسده، لمنع حدوث كارثة وذلك قبل وفاته، كانت النقابة العامة للنقل البرى، تتحرك سريعا وتعلن تكفلها برعاية الحالة الصحية للسائق خالد مع صرف مكافأة مالية فورية للسائق تقديرا لشجاعته وتحمله المسؤولية في ظروف خطيرة.كما أعلنت أيضا شركة كبرى من شركات النقل والسياحة بالمملكة، قبل وفاة البطل خالد عن تقديم عمرة مجانية إهداء لبطولته.وبعد وفاة البطل خالد رحمة الله عليه، كان هناك قرار سريع من رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى حيث كلف وزيري البترول والثروة المعدنية، والتضامن الاجتماعي، بالتنسيق الفوري، لصرف مكافأة مجزية لأسرة البطل، ورصد معاش استثنائي لها، وتكريمها، عرفانا ببطولة الشهيد خالد، وتقديرا من الحكومة، والشعب بأكمله كنموذج وقدوة للآخرين. أيضا قرر رئيس جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان، المهندس علاء عبداللاه، إطلاق اسم السائق البطل خالد عبد العال، على أحد شوارع المدينة، تخليدًا لذكراه وتكريمًا لموقفه البطولي الذي عبّر عن أسمى معاني الشجاعة والإخلاص في العمل. ولأن بلادنا عامرة بولادها الطيبين كان تبرّع صاحب إحدى شركات الأدوية في مدينة العاشر من رمضان، بمبلغ نصف مليون جنيه لأسرة الشهيد البطل خالد، قائلا: “الإنسان يمكن يضحي بفلوس أو وقت أو جهد لكن من الصعوبة التضحية بروحه، ونحن مدينون لهذا البطل بأراوحنا ، ومهما فعلنا لن نوفيه حقه وأجره عند خالقه، رحمة الله عليه، وأقل شيء أن نقف بجوار أسرته بعد غيابه عنهم، لأنه لايمكن تصور حجم الخسائر المتوقعة في الأرواح والممتلكات للمناطق القريبة من محطة البنزين لو انفجرت تانكات البنزين واشتعلت المحطة”.ألستم تتفقون معى، أن الشجاعة والبطولات المصرية لا تنتهى، وتظهر دائما فى المواقف الصعبة دون تردد مما تمثل قدوة لشبابنا، ولكن أيضا يستحقوا أصحابها التكريم وأيضا ذويهم بعد فقد عائلهم من المسؤولين والمواطنين، كمكافأة بسيطة على تضحياتهم المثيرة للفخر لنا جميعا كمصريين.