اجتماع تشانغشا: خطوة مهمة لتعزيز الشراكة بين الصين وإفريقيا لقيادة الجنوب العالمي

اجتماع تشانغشا: خطوة مهمة لتعزيز الشراكة بين الصين وإفريقيا لقيادة الجنوب العالمي

في لحظة حاسمة تعكس عمق التحولات الجارية في موازين القوة العالمية، اجتمع ممثلون عن جمهورية الصين الشعبية و53 دولة أفريقية، إلى جانب مفوضية الاتحاد الأفريقي، يوم الأربعاء 11 يونيو 2025، في مدينة تشانغشا الصينية، لتفعيل نتائج قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي (فوكاك) وتنفيذ الإجراءات العملية التي تضمن تحويل التزامات الشراكة إلى واقع ملموس يخدم مصالح الجنوب العالمي.

 هذا الحدث لم يكن مجرد لقاء دبلوماسي أو اجتماع متابعة تقليدي، بل محطة استراتيجية تؤكد جدية الطرفين –الصين وأفريقيا– في الانتقال من مستوى التصريحات والمبادئ، إلى دائرة التطبيق العملي والتخطيط طويل الأمد. فبموجب إعلان تشانغشا، جدّد الجانبان التزامهما الراسخ ببناء مجتمع صيني-أفريقي بمستقبل مشترك في العصر الجديد، قادر على مجابهة التحديات العالمية المعقدة، من التقلبات الاقتصادية إلى الأزمات الجيوسياسية، بروح من التضامن والتكافؤ. لقد مثّل هذا الاجتماع تتويجًا لتطور نوعي في العلاقات بين الصين وأفريقيا، وبداية مرحلة جديدة قوامها تنفيذ خطط العمل العشرية للشراكة من أجل التحديث، والتي تم الاتفاق عليها في قمة بكين عام 2024. الصين، من جهتها، أعلنت عن حزمة من الإجراءات الداعمة، تشمل الإعفاء الجمركي الكامل لصادرات الدول الأفريقية، وتسهيلات جمركية وفنية للدول الأقل نموًا، مما يعزز قدرة القارة على الدخول بقوة إلى السوق الصينية العملاقة. والأهم من ذلك، أن اجتماع تشانغشا أعاد التأكيد على أن هذا التعاون ليس مبنيًا على منطق المنح والمساعدات، بل على أساس الشراكة الندية والتكامل الاستراتيجي. المبادرات المشتركة كـ”الحزام والطريق”، و”مبادرة التنمية العالمية”، و”مبادرة الأمن والحضارة”، ليست مجرد شعارات سياسية، بل أدوات عملية لصياغة نمط جديد من العلاقات الدولية قائم على المصلحة المتبادلة والتقدم المشترك.  كما شدد المشاركون على ضرورة مواجهة السياسات الأحادية والحمائية التي تعمّق الفجوة بين الشمال والجنوب، مع توجيه نقد صريح للممارسات الاقتصادية الأمريكية التي تُهدد الاستقرار العالمي، والدعوة إلى تعزيز التعددية، وتفعيل دور الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية في إعادة التوازن إلى النظام الدولي.  وبينما يشهد العالم اضطرابًا في بنيته السياسية والاقتصادية، يثبت تحالف الصين وأفريقيا أنه قادر على صياغة بدائل عادلة، واقعية، ومتعددة الأقطاب. هذا ما عبر عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ في رسالته للمؤتمر، مؤكدًا أن الصين ستواصل فتح أسواقها، وتوفير فرص تنموية حقيقية لشركائها في القارة، من خلال خطط تعاون تشمل التكنولوجيا، الصناعة الخضراء، التجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي.  إن ما حدث في تشانغشا لم يكن مجرد اجتماع تقني لتنفيذ توصيات، بل تجلٍّ حقيقي لنضج علاقة استراتيجية بين أكبر دولة نامية وأكبر قارة نامية، تسعيان معًا لتشكيل ملامح نظام عالمي جديد، أكثر عدلاً وشمولاً وإنصافًا.  وهكذا، يثبت منتدى “فوكاك”، بدوراته المتلاحقة وتفعيل نتائجه عبر محطات مثل تشانغشا، أنه ليس مجرد منصة للتعاون، بل نواة لتحالف عالمي بديل، تُسهم فيه أفريقيا والصين بدور ريادي، وتلهم من خلاله باقي بلدان الجنوب في معركة إعادة تعريف المستقبل المشترك.