الملك الذهبي: رمز ثقافي في المتحف المصري الكبير

تسارع الدولة المصرية، بكل أجهزتها، الخُطى لترتيب احتفالية افتتاح للمتحف المصري الكبير 3 يوليو المٌقبل، وذلك بما يليق بحجم هذا الحدث العالمى المهم، وبما يعكس عراقة وتاريخ وحضارة الدولة المصرية، بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية، وصولاً لتنفيذ احتفالية ضخمة لافتتاح المتحف، بصورة تعكس ليس فقط تميز هذا الصرح العالمى الكبير، لكن أيضاً تعكس مدى التقدم والإنجاز الذي حدث فى مختلف أوجه الحياة فى الدولة المصرية، وبما يليق بمكانتها الحضارية العريقة أمام العالم أجمع.
إذا كان العالم كله ينتظر هذا الحدث الاستثنائى بشغف ولهفة، فإنه وقبل 103 أعوام كان العالم أيضاً على موعد فى 4 نوفمبر من عام 1922م، مع حدث استثنائى هو الآخر متعلق بالحضارة المصرية، وهو أهم كشف أثرى ليس فى تاريخ مصر فقط بل فى تاريخ البشرية من حيث قيمته وأهميته، إنها مقبرة الملك الذهبى “توت عنخ آمون” التي عثر عليها هوارد كارتر، لنجد أنفسنا أمام كنوز مذهلة وغير مسبوقة، والتي تجاوزت 5000 قطعة أثرية كانت داخل المقبرة، وإن كانت الكنوز أغلبها متفرد وغير مسبوق، إلا أنها تضمنت قطعة هى الأشهر وهى القناع الذهبي، والذي يعد بشهادة المتخصصين وغيرهم أهم قطعة أثرية فى العالم. وقد أحدث هذا الاكتشاف حينها ضجة إعلامية كبرى فى العالم، وذلك لأن محتويات المقبرة كانت كاملة ولم تتعرض للسرقة، كما أن “كارتر” وجد مومياء الفرعون الصغير كاملة وبكامل زينتها من قلائد وخواتم والتاج والعصى من الذهب الخالص والأبنوس، وعبر عشرات السنين تنقلت مقتنيات المقبرة حتى استقر أغلبها فى المتحف المصري بالتحرير ما بين معروض وفى المخازن، وبعض منها فى متحف الأقصر، إلى أن تقرر إنشاء المتحف المصري الكبير، والذي تضمن سيناريو العرض الخاص به أن يكون الملك الذهبى توت عنخ آمون وكنوزه بمثابة أيقونة المتحف، وذلك عبر عرضها فى قاعة واحدة خاصة بها، وذلك على مساحة 7500 متر مربع، وهو ما يمثل 7 أضعاف مساحة القاعة التي كانت تضم مجموعة الملك الذهبى بالمتحف المصري بالتحرير، والتي يتبقى فيها حاليًا بعض كنوز الملك، وسيتم نقلها تباعًا إلى أن يكون القناع الذهبى هو آخر كنوز الملك توت عنخ آمون التي ستنقل إلى المتحف المصري الكبير. ولأن قاعة توت عنخ آمون لم تكن ضمن الـ 12 قاعة التي تم افتتاحها تجريبيًا فى المتحف المصري الكبير منذ عدة شهور، فلا يوجد أحد يعرف شكلها أو طريقة العرض فيها، مما يجعلها مفاجأة مشوقة لكل محبى التاريخ والحضارة والآثار، الذين ينتظرون رؤية كنوز الملك كلها مجتمعة فى مكان واحد، لذلك سنعطى فكرة للقراء عن أبرز كنوز الملك توت عنخ آمون، من خلال جولات عدة قمنا بها فى قاعة الملك فى المتحف المصري بالتحرير، كذلك بين بعض الكنوز المعروضة أمام القاعة.القناع الذهبييعد القناع الذهبى للملك توت عنخ آمون أحد أشهر وأقيم المقتنيات الأثرية فى العالم وربما هو الأغلى ولا يقدر بثمن، وكما يمثل القناع الوجه المثالى للملك الشاب فهو أيضاً أيقونة لحضارة مصر القديمة والحديثة، حيث تم العثور على هذا القناع داخل حجرة دفن بمقبرة توت عنخ آمون، والذي كان موضوعًا فوق رأس وأكتاف مومياء الملك، المحمية بداخل التوابيت والمقاصير، وقد صُنِع ليُظْهِر الملك كالمعبود أوزير حاكم العالم الآخر، ومعبود الشمس رع، الذي كان جسده مصنوعًا من الذهب، وشعره من اللازورد، وفى الوقت نفسه نرى الصورة المثالية لوجه توت عنخ آمون.أول مانيكانتمثال نصفى كان بمثابة مانيكان الملك توت عنخ آمون وهو بالفعل تحفة فنية رائعة، خاصة أنه يجعل مصر صاحبة أقدم مانيكان فى التاريخ للملك الذهبى الملك توت عنخ آمون، ومصنوع من الخشب، وكان يستخدم لصنع ملابس الملك ووضعها عليه لأنه يأخذ نفس الأطوال الحقيقية لتوت عنخ آمون، وهيئته صممت على الحجم الطبيعى لجسم وحجم الملك.صندل مدهشتتضمن مجموعة الملك الذهبى توت عنخ آمون زوجا ثميناً من الصنادل، والتي لم تكن مجرد حذاء يرتديه فقط، بل اتسمت بصفات فنية رائعة وحملت دلالات سياسية، وذلك فيما يتعلق بصراعاته مع الأعداء وهزيمتهم، فهو زوج من الصنادل المطعمة والمصنوع من عدة خامات كالخشب والجلد والذهب ولحاء الشجر، وقد تم العثور عليه داخل المقبرة، ويوضح امتداد السمات الملكية على الملابس، فالنعل مزخرف بصور تمثل أسرى مقيدين فى إشارة لقوة الملك وسيطرته على الأعداء، وتظهر أيضا الأقواس التسعة التي تمثل أعداء مصر التقليديين، حيث يطأ الملك تلك الأقواس رمزا لسحق الأعداء.كرسى الاحتفالاتكرسى الاحتفالات للملك توت عنخ آمون من القطع الفنية المذهلة، وهو مُطعم بالزخارف الخلابة والمتناسقة، والجزء السفلى يأخذ شكل مقعد فى مسند رأس تمت إضافته له، والكرسى تم تصميمه فى بداية عهد توت عنخ آمون، حيث يوجد فى منتصف زخرفة الكوبرا اثنان من خراطيش المعبود “آتون” محاط بقرص الشمس الذي يمثل آتون، بالإضافة لتصوير الربة نخبت فى هيئة الرحمة بين خرطوشى الملك، حيث دون اسم الميلاد له “توت عنخ آتون” ويعنى الصورة الحية لآتون، وأفريز الكوبرا وربة الرحمة على قمة المسند الخلفى، والسطح العلوى للمقعد مطعم ومشكل بصورة تستدعى شكل جلد الفهد، ونهاية أرجل الكرسى تأخذ شكل رءوس البط ومصنوعة من الأبنوس ومكسوة بالعاج.
كرسى العرشكان يتم استخدام المقاعد من قِبَل الجميع تقريبًا فى مصر القديمة، أما الأثرياء فقط فهم من كانوا يمتلكون الكراسي، ومن المناظر المصورة على جدران مقابر الأفراد فى تلك الفترة، نعلم أن الملوك غالبًا ما كانوا يستقبلون السفراء وغيرهم من الشخصيات المرموقة، أثناء جلوسهم على كراسى مميزة، ومرفوعة على منصات، وهذا العرش الرائع كان من شأنه إبهار جميع الزوار.وقد وُجِد كرسى العرش هذا ملفوفًا فى الكَتَّان داخل الحجرة الأمامية بمقبرة توت عنخ آمون،وقد صُنِع من الخشب المغطى برقائق من الذهب والفضة، وطُعِّم بالزجاج والفيانس والأحجار الكريمة، وتتشكل مساند أيدى كرسى العرش من حيات الكوبرا المجنحة، التي تحمل اسم الملك. ونرى الملك توت عنخ آمون وزوجته الملكة عنخ إس إن آمون، مسترخيَيْن تحت مظلة من الأزهار، حيث تم تطعيم جسميهما بالزجاج الأحمر، فى حين أن ثيابهما طُعِّمت برقائق من الفضة والذهب، وسيكون هذا العرش واحدًا من أوائل القطع التي سيشاهدها زوار المتحف المصري الكبير، داخل قاعات العرض الجديدة.تمثالان واقفانعُثِر على تمثالين بالحجم الطبيعي، وباللونين الأسود والذهبى للملك توت عنخ آمون، واقفَيْن، ومواجهَيْن بعضها البعض، أمام مدخل حجرة الدفن المغلقة بداخل مقبرته، ويحمل كل من التمثالين عصا فى يده اليسرى، وصولجانًا فى يده اليمنى، ومن النظرة الأولى يعتقد أنهما متشابهان ولكنهما فى الحقيقة غير متطابقين؛ حيث يرتدى أحدهما غطاء الرأس (خات)، بينما يرتدى الآخر غطاء الرأس (النمس) ذى القطعتين الطويلتين، اللتين تتدليان على جانبى رقبته.توابيت ملكيةعندما قام “هوارد كارتر” بفتح التابوت الحجرى للملك توت عنخ آمون، لم يكن لدى أحد أى فكرة بأنه يحتوى على تابوت واحد، بل ثلاثة توابيت ذهبية متداخلة داخل بعضها البعض، ويأخذ كل واحد من هذه التوابيت الهيئة الآدمية، حيث يظهر الملك على شكل مومياء بيدين متقاطعتين،وقد صُنِع التابوت الخارجى من الخشب المغطى برقائق من الذهب، والتابوت الأوسط من الخشب المغطى بالزجاج الملون والأحجار الكريمة، أما التابوت الداخلى فهو مصنوع من الذهب الخالص.أنوبيس المقابرتتضمن مجموعة توت عنخ آمون أيضا تمثال أنوبيس، وهو منحوت بدقة وتتسم ملامحه بصرامة تتفق مع وظيفته كمعبود مسؤول عن الموتى والمقابر، هذا بجانب أنه كان له دور كبير ومهم فيما هو معروف بمحكمة الموتى فى عقيدة المصريين القدماء بعد الموت، وهذا الدور يتمثل فى أن أنوبيس كان مسؤولا عن وزن قلب كل متوفى عند محاكمته، والتمثال فوق مقصورة مصنوعة من الخشب الذي تغطيه طبقة تذهيب، والتمثال والمقصورة من ضمن الكنوز الثمينة الخاصة بالملك الذهبى توت عنخ آمون.