قانون الإيجار القديم: صراع بين طموحات الملاك لتحقيق العدالة وتمسك المستأجرين بالعقود | التفاصيل

تشهد الأوساط القانونية والاجتماعية والبرلمانية حالة من الجدل المتصاعد حول تعديلات مشروع قانون الإيجار القديم، وسط مطالبات متناقضة بين الملاك والمستأجرين،وفيما يعتبره الملاك خطوة طال انتظارها لتحقيق العدالة الاقتصادية، يرى فيه المستأجرون تهديداً لاستقرارهم الأسري والمعيشي.
جذور الأزمة عقد قديم وصراعات حديثة
ترجع جذور الأزمة إلى القانون رقم 136 لسنة 1981 الذي نظم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر، وفرض تثبيت القيمة الإيجارية عند نسبة 7% من قيمة الأرض، وهو ما اعتُبر منقذًا للمستأجرين بعد أزمة السكن في منتصف القرن الماضي، لكنه تحوّل مع مرور الزمن إلى عبء كبير على الملاك الذين يرون أن العائد من وحداتهم لا يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية.
سبب تفجّر الجدل مجددًا؟
على مدار سنوات، ظل الحديث عن القانون في إطار نظري أو شعبي دون ترجمة حقيقية على أرض الواقع، إلا أن تقديم الحكومة مشروعًا رسميًا لتعديل القانون إلى البرلمان، فتح باب الجدل على مصراعيه.
ويرى المواطنون أن هذه المرة جدية الحكومة أقرب للتنفيذ الفعلي بعد صدور حكم المحكمة الدستورية الأخير في نوفمبر 2024.
الحكم الفاصل… قرار المحكمة الدستورية
في نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا بعدم دستورية ثبات الأجرة القديمة للوحدات السكنية، وهو ما يُعد تحولاً قانونيًا كبيرًا.
وأكدت المحكمة أن تثبيت الأجرة لم يعد يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية ويخل بمبدأ العدالة في العلاقة التعاقدية، داعية البرلمان إلى تعديل التشريع بما يحقق التوازن بين أطراف العلاقة الإيجارية.
تحرك الحكومة والبرلمان
عقب الحكم، أحالت الحكومة مشروع التعديل إلى البرلمان، وبدأت اللجنة المشتركة بين لجان الإسكان والمحلية والشؤون الدستورية مناقشة المشروع.
ومن المقرر أن تبدأ اللجنة أولى جلسات الاستماع المجتمعي خلال أيام، بحضور ممثلين عن الملاك والمستأجرين والخبراء القانونيين.
أبرز ملامح التعديلات المقترحة
بحسب التصريحات الرسمية، فإن المقترحات الحكومية تشمل:
رفع القيمة الإيجارية تدريجيًا على مدار فترة انتقالية لا تقل عن 5 سنوات.
مضاعفة الإيجار الشهري بحد أدنى 500 جنيه في القرى، و1000 جنيه في المدن.
ربط الإيجار بالقيمة السوقية للوحدة مع مراعاة البعد الاجتماعي لبعض الفئات.
إتاحة آلية تقسيط للزيادات لبعض الحالات الاجتماعية.
الحفاظ على حق السكن للأسر الأولى بالرعاية.
كم عدد الوحدات المتأثرة؟
تشير إحصائيات حكومية إلى أن عدد الوحدات السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم يبلغ حوالي 3 ملايين وحدة، موزعة على النحو التالي:
82% في القاهرة الكبرى والإسكندرية والقليوبية
18% في باقي محافظات الجمهورية
وتقع معظم هذه الوحدات في مناطق استراتيجية مثل وسط القاهرة، الدقي، المهندسين، ما يزيد من حساسية القرار وتأثيره الاجتماعي.
وجهة نظر الملاك… عقود لا تُنصف الواقع
يرى الملاك أن القانون ظلمهم لعقود، حيث يحصلون على إيجارات لا تتجاوز 20 أو 50 جنيهًا في بعض الحالات، في حين أن نفس الوحدات في السوق الحر تُقدر بآلاف الجنيهات. ويطالبون بضرورة إعادة تسعير عادلة للإيجار بما يتماشى مع تكلفة المعيشة وأعمال الصيانة والضرائب العقارية.
وجهة نظر المستأجرين: استقرار مهدد
في المقابل، يتمسك المستأجرون بمبدأ أن “العقد شريعة المتعاقدين”، ويخشون أن تؤدي التعديلات إلى إجبارهم على ترك مساكنهم أو تحميلهم أعباء مادية لا يستطيعون تحملها، خاصة كبار السن وأصحاب المعاشات.
تصريحات برلمانية… نسعى لتوازن عادل
قال المهندس طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، إن المجلس لن يسمح بتمرير قانون يُرضي طرفًا على حساب آخر، مؤكدًا أن التعديلات سيتم نقاشها في ضوء الحوار المجتمعي والمصلحة العامة، مشيرًا إلى أن “عدم الرضا الكامل من طرف أمر متوقع، لكننا سنصل لصيغة مرضية للأغلبية”.
هل يؤثر القانون على سوق العقارات؟
بحسب مصدر مسؤول بوزارة الإسكان، من المستبعد أن تؤثر التعديلات على السوق العقاري، لأن الوحدات محل الجدل ليست مطروحة للبيع أو الإيجار الجديد، وغالبًا ما يتمسك بها المستأجرون لعوامل اجتماعية ونفسية وليس بسبب القيمة فقط، موضحًا أن المستأجرين “لن يتركوا شقق إيجارها 100 جنيه مهما زادت القيمة”.