أنقرة تتمدد وتل أبيب ترد… من يرسم خريطة النفوذ الجديدة في سوريا؟

أنقرة تتمدد وتل أبيب ترد… من يرسم خريطة النفوذ الجديدة في سوريا؟

بينما تترنح سوريا تحت وطأة آثار الحرب، وتكافح لإعادة بناء مؤسساتها، تدور خلف الستار معركة أعمق من مجرد نزاع عسكري أو سياسي، إنها معركة “رسم خريطة النفوذ”، حيث تتقاطع أجندات إقليمية ودولية، وتتشكل مناطق سلطة غير معلنة لكنها واقعية.

في هذه المعادلة المعقدة، تبرز تركيا كفاعل متقدّم، توسّع نفوذها تدريجياً شمال سوريا، عبر قواعد عسكرية، وتحركات سياسية محلية. في المقابل، ترد إسرائيل بهواجس أمنية وضربات عسكرية، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التنافس على الأرض السورية، لا تقل خطورة عن أيام النزاع المسلح.

تمدد تركي محسوب… هل تقترب أنقرة من دمشق سياسيًا؟

يبدو أن أنقرة تستثمر الفراغات التي خلّفها تراجع النظام السوري في مناطق واسعة من الشمال، وتعزز حضورها من خلال المجالس المحلية، التعليم، وحتى تداول العملة التركية.

لكن الجديد في المشهد، هو ما يصفه مراقبون بمحاولات “الاقتراب السياسي من دمشق”، عبر قنوات غير معلنة، أو وساطات إقليمية.

وفي هذا السياق، حذر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، من “محاولات تركية للسيطرة على دمشق”، معتبرًا أن إسرائيل ستتحرك لمنع أي تغيير جذري في توازنات القوة داخل سوريا، خشية تكرار “سيناريوهات مفاجئة” كما حدث في السابع من أكتوبر.
 

إسرائيل: الدفاع أم الهيمنة؟

القلق الإسرائيلي تُرجم إلى غارات جوية متكررة استهدفت مستودعات ومواقع في محيط دمشق ووسط سوريا، تحت ذريعة منع نقل أسلحة إلى حزب الله.

لكن كما يشير الباحث السياسي عبدو زمام، فإن هذه التحركات تتجاوز حدود “الدفاع”، وتكشف عن نزعة واضحة لفرض حضور عسكري وسياسي إسرائيلي في الداخل السوري، بما يتجاوز الحدود الفعلية لإسرائيل.

ويضيف: “نتحدث عن أكثر من 600 كيلومتر مربع من الأراضي السورية التي لم تعد تحت سيطرة الدولة، فكيف يمكن الحديث عن أمن حدود في ظل هذا الواقع؟”.

رقعة ممزقة… وسوريا الواحدة تتلاشى على الأرض

وسط هذا التزاحم الإقليمي، تتحول سوريا إلى ما يشبه دولة بحدود رسمية لكن بسلطات متعددة. شمالًا تركيا، شرقًا قواعد أميركية، غربًا حضور روسي، وفي الجنوب والغوطة، عودة مشروطة للنظام، مع نفوذ إيراني لا يمكن تجاهله.

ويحذر زمام من أن استمرار العقوبات الدولية، وغياب أفق سياسي حقيقي، سيدفع بالمشهد نحو نموذج “دولة بأربعة أعلام”، حيث تتقاسم السيطرة جهات متنازعة لا يجمعها سوى غياب مشروع وطني جامع.

في ظل هذا التنافس، لا يبدو أن أحدًا يملك اليد العليا بالكامل. فتركيا تبحث عن عمق استراتيجي، وإسرائيل تسعى لتأمين حدودها، وروسيا تحافظ على قواعدها البحرية، فيما يعيش الشعب السوري بين أنقاض الاتفاقات والضربات والخرائط المؤقتة.

ومع غياب إرادة دولية حقيقية لإغلاق الملف السوري، وتحول البلاد إلى ساحة لصراع الإرادات، تبقى الخلاصة التي يرددها كثيرون:

“سوريا لم تُقسّم بعد، لكنها لم تعد موحدة”.