أثر القرارات على الأسواق المالية: محكمة أمريكية تلغى الرسوم الجمركية لترامب

في قرار قضائي وصف بـ”المفاجئ والمذهل”، قضت محكمة التجارة الدولية الأمريكية في مانهاتن أمس الأربعاء 28 مايو 2025، بإلغاء الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في 2 أبريل الماضي.
واعتبرت هيئة المحكمة المكونة من ثلاثة قضاة أن ترامب “تجاوز الصلاحيات الممنوحة للرئيس” بموجب القانون الفيدرالي والدستور الأمريكي، مشددةً على أن سلطة تنظيم التجارة الخارجية هي حصراً للكونغرس.
شمل القرار إيقاف الرسوم بنسبة 10% على معظم واردات العالم، و30% على الصين، و25% على سلع مختارة من المكسيك وكندا، واستثنى الرسوم المفروضة بموجب قانون (المادة 232) على السيارات والصلب والألمنيوم.
ورفضت المحكمة استخدام قانون الطوارئ الاقتصادية (IEEPA) لعام 1977 كسند للرسوم، مؤكدةً أن القانون صمم لمواجهة “تهديدات استثنائية” تتعلق بالأمن القومي، وليس كأداة لإعادة هيكلة السياسة التجارية.
وأمهلت المحكمة إدارة ترامب 10 أيام لتنفيذ الحكم، لكن الإدارة قدمت استئنافاً خلال دقائق، ما أبقى مصير الرسوم في حالة غموض مؤقت.
“رسوم يوم التحرير” والحرب التجارية
أعلن ترامب في 2 أبريل الماضي فرض رسوم جمركية “متبادلة” تتراوح بين 10% و50% على معظم واردات الولايات المتحدة، واصفاً إياها بـ”رسوم يوم التحرير” لتحفيز الصناعة المحلية.
واستند إلى قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA، مدعياً وجود “حالة طوارئ وطنية” بسبب الخلل التجاري مع الدول الأخرى 1310.
وأشعلت الخطوة أشعلت حرباً تجارية متعددة الجبها، حيث : رفعت الصين رسومها على المنتجات الأمريكية إلى 145%، ووصلت الرسوم المتبادلة مع الاتحاد الأوروبي إلى 125% 1، وخسرت الأسواق العالمية تريليونات الدولار من قيمتها السوقية بعد الإعلان، قبل أن تهدأ نسبياً عند تعليق ترامب الجزء الأكبر من الرسوم لمدة 90 يوماً للمفاوضات.
انقسام حاد بين الإدارة والمعارضين
هاجم المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي، القضاة ووصفهم بـ”غير المنتخبين” الذين “يفتقرون إلى القدرة على إدارة حالة الطوارئ الوطنية”، وعدّ ستيفن ميلر، مستشار ترامب، القرار “انقلاباً قضائياً خارج السيطرة”، مؤكداً أن الإدارة ستستخدم “كل أدوات السلطة التنفيذية” للاستئناف.
ومن جانبها رحبت 12 ولاية أمريكية (بينها نيويورك وأوريجون) بالقرار، واصفة إياه بأنه “ضمانة ضد الاستبداد الضريبي”. قالت ليتيتيا جيمس، مدعية نيويورك العامة: “القانون واضح: لا يملك أي رئيس سلطة رفع الضرائب بمفرده”، مشيرةً إلى أن الرسوم تزيد التضخم وتدمر الشركات الصغيرة، وأشاد مركز “ليبرتي جاستس” (ممثل 5 شركات مستوردة) بالحكم، مؤكداً أن الرسوم “شلت قدراتها التجارية”.
خبراء قانون: “سابقة خطيرة”
وصف جاري كلايد هوفباور، الخبير في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، القرار بأنه “مفاجئ”، لأن المحاكم كانت تاريخياً تميل إلى تأييد سلطات الرئيس في حالات الطوارئ. لكنه أضاف أن المحكمة كشفت “ثغرة في تفسير ترامب” لقانون الطوارئ.
التداعيات الاقتصادية العالمية
شهدت الأسواق رد فعل إيجابياً فورياً، حيث قفزت الأسهم الأمريكية في العقود الآجلة لمؤشر داو جونز 500 نقطة (+1.1%)، وناسداك 1.6% 45، وارتفع مؤشر نيكي الياباني 1.5%، ومؤشر ASX الأسترالي بشكل طفيف، وعزز الدولار الأمريكي موقفه أمام الين والفرنك السويسري.
لكن الخبراء حذروا من أن الاستئناف قد يطيل حالة الغموض للمستوردين والشركات الصغيرة، خاصة مع وجود 7 دعاوى قضائية أخرى معلقة ضد سياسات ترامب التجارية، إضافة إلى طعون من 13 ولاية.
الجذور الدستورية: معركة فصل السلطات
أكد حكم المحكمة على مبدأ أساسي في الدستور الأمريكي: الكونغرس هو الجهة الوحيدة المخولة بفرض الرسوم الجمركية، ولفت إلى أن قانون IEEPA لا يذكر حتى كلمة “الرسوم الجمركية” ضمن الصلاحيات الممنوحة للرئيس، كما انتقد أحد القضاة في الرأي القانوني المرفق بالحكم منح “تفويض غير مشروط للسلطة” ينتهك مبدأ الفصل بين السلطات.
معركة قانونية ممتدة
يُتوقع أن تشهد القضية مساراً طويلاً، فمحكمة الاستئناف الفيدرالية ستتلقف الدعوة في أيام، لكن قرارها قد يستغرق أشهراً، أما المحكمة العليا قد تكون المحطة الأخيرة، خاصة إذا تمسكت الإدارة بموقفها.
ويُعد القرار ضربة لاستراتيجية ترامب في استخدام “الأوامر التنفيذية” لتجاوز الكونجرس، وقد يؤثر على شعبيته وسط تحذيرات من “تأجيج الصراع بين السلطات”.
وتتجاوز القضية النقاش الاقتصادي لتصبح اختباراً حاسماً لحدود السلطة الرئاسية في النظام الأمريكي. فبينما تصر إدارة ترامب على أن “الطوارئ الاقتصادية” تبرر إجراءات غير مسبوقة، يرى خصومها أن الحكم ضربة للانفرادية في صنع السياسات. في الأشهر المقبلة، قد تُحدد نتيجة الاستئناف ليس فقط مصير رسوم أبريل ، بل أيضاً مدى سلطة الرئيس في عصر الأزمات المتشابكة.