هل تتصاعد الحرب التجارية؟ ترامب يعلن استراتيجية للهيمنة الاقتصادية ويسعى لتغيير قواعد اللعبة

هل تتصاعد الحرب التجارية؟ ترامب يعلن استراتيجية للهيمنة الاقتصادية ويسعى لتغيير قواعد اللعبة

في خطوة مفاجئة أعادت صياغة ملامح التجارة الدولية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سلسلة من الإجراءات التجارية الجذرية، تضمنت رفع التعريفات الجمركية على مجموعة واسعة من الواردات. وجاء القرار في إطار استراتيجية تهدف إلى إعادة ترتيب العلاقات التجارية العالمية، انطلاقًا من رؤية أحادية ترى أن هذه الإجراءات تعزز الصناعة الأمريكية، رغم ما أثارته من ردود فعل دولية حادة من عدد من الدول والشركاء التجاريين.

تفاصيل الإجراءات التي أعلنها ترامب

بدأت الأحداث عندما فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 10% على واردات من عدة دول، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الصين، اليابان، وفيتنام. وفي خطوة لاحقة، أُعلن عن نية فرض تعريفات متبادلة تتراوح نسبتها بين 11% و50% على واردات من 57 شريكًا تجاريًا رئيسيًا، مع توقع دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ خلال الأيام القليلة المقبلة. يأتي هذا بعد إعلان سابق في نوفمبر 2024 عن فرض تعريفات بنسبة 25% على المنتجات القادمة من المكسيك وكندا، إضافة إلى رفع 10% على الواردات الصينية، مبررًا ذلك بمخاوف تتعلق بالهجرة غير الشرعية وتدفق المخدرات.

ردود الفعل الدولية

سارعت الصين إلى الرد بإجراءات انتقامية تمثلت في فرض تعريفات بنسبة 34% على البضائع الأمريكية، إضافة إلى فرض قيود على تصدير المعادن النادرة، وهي عناصر حيوية في الصناعات التكنولوجية، ما يشير إلى استعداد الصين لمواجهة أي تصعيد أمريكي إضافي.

وفي كندا، أعلن رئيس الوزراء جاستن ترودو عن إجراءات انتقامية جديدة ضد ترامب، تشمل فرض رسوم جمركية على سلع أمريكية بقيمة 155 مليار دولار، تبدأ بتطبيق فوري على منتجات بقيمة 30 مليار دولار. وصرح ترودو: “الولايات المتحدة تطلق حربًا تجارية على كندا، شريكها الأقرب، بينما تسعى في المقابل إلى استرضاء فلاديمير بوتين، الديكتاتور الكاذب القاتل”. وأضاف: “نحن الكنديون مهذبون، لكننا لن نتراجع عن المعركة”.

رؤية خبراء الاقتصاد

وصف الدكتور حسن الصاوي، أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، السياسات الاقتصادية التي يتبناها ترامب بأنها “عبث وخرف اقتصادي”، مؤكدًا أن نتائجها ظهرت سريعًا، حيث تكبدت سوق الأسهم الأمريكية خسائر ضخمة تُقدّر بستة تريليونات دولار خلال يومين فقط من تنفيذ هذه القرارات، ما يعكس هشاشة الثقة في السياسات الاقتصادية القائمة على القرارات الفردية بدلاً من التنسيق المؤسسي.

وأضاف الصاوي أن هذه الإجراءات تسببت في ارتباك داخلي، وقد تؤدي إلى إضرابات اقتصادية تؤثر على معدلات التوظيف والنمو. وعلى المدى الاستراتيجي، حذر من أن هذه السياسات قد تدفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في اعتمادها المفرط على الاقتصاد الأمريكي، مما قد يفتح المجال أمام ظهور تكتلات اقتصادية جديدة ببدائل قوية تقلص النفوذ الأمريكي تدريجيًا.

دلالات القرار على الاقتصاد العالمي

من جانبه، وصف الدكتور ضياء حلمي، عضو لجنة الشؤون الآسيوية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية، قرارات ترامب بأنها “صدمة قوية للاقتصاد العالمي”، مشيرًا إلى أن السياسات الأحادية تفرض على الدول النامية البحث عن تكتلات اقتصادية بديلة، مثل تكتل “بريكس”، الذي يضم نحو 45% من سكان العالم، ما يمنحه ثقلًا اقتصاديًا وسكانيًا استثنائيًا.

وأكد حلمي أهمية التعاون العربي الدولي وتفعيل منظومة التبادل التجاري، مشددًا على أن الشراكات العابرة للحدود يجب أن تبنى على مصالح استراتيجية مدروسة. كما دعا إلى ضرورة التعامل مع السياسات الأمريكية بحذر وتوازن دون قطيعة، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة لما لها من دور محوري في التوازنات الدولية.

تكشف قرارات ترامب الأخيرة عن استعداد الإدارة الأمريكية لإعادة تشكيل قواعد التجارة الدولية بفرض تعريفات صارمة تهدف لحماية الصناعة الوطنية وإعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية العالمية. لكن هذه الإجراءات قوبلت بردود فعل عنيفة من دول كبرى مثل الصين وكندا والاتحاد الأوروبي، مما يثير تساؤلات حول استدامة النظام التجاري العالمي في ظل تصاعد التوترات. ويبقى المستقبل مفتوحًا أمام تطورات جديدة قد تتطلب جهودًا دبلوماسية حثيثة لإيجاد حلول وسط تحفظ مصالح جميع الأطراف وتعيد الاستقرار إلى الاقتصاد العالمي.