السياسة على حساب الأرواح: التحديات الإنسانية والسياسية في إدارة الهجرة والجمارك الأميركية.

أصبحت إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) محور جدل واسع على الصعيدين السياسي والإنساني. وأيضا إحدى أكثر القضايا جدلًا بسبب الانتهاكات المتكررة لمبادئ حقوق الإنسان في التعامل مع المهاجرين، خاصة اللاجئين والعائلات التي تهرب من العنف والفقر في دولها الأصلية
وما يحدث في مراكز الاحتجاز والمعابر الحدودية يثير قلقًا كبيرًا لدى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، حيث باتت سياسة الهجرة الأمريكية تتحول في بعض الأحيان إلى “السياسة على جثث الناس”، بمعنى اتخاذ قرارات وإجراءات أدت إلى معاناة بشرية حقيقية.
في السنوات الأخيرة، ازدادت عمليات احتجاز المهاجرين على الحدود الجنوبية لأمريكا، خاصة في ولاية تكساس وأريزونا، حيث تُحتجز آلاف العائلات والأفراد في ظروف صعبة.
وجاءت تقارير منظمات حقوق الإنسان، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”أمنيستي إنترناشونال”، أظهرت أن مراكز الاحتجاز الأمريكية تعاني من ظروف غير إنسانية تشمل الاكتظاظ الشديد، نقص الرعاية الصحية، سوء التغذية، وقلة النظافة، ما أدى إلى تفشي أمراض معدية بين المحتجزين. في بعض الحالات، تسبب هذا الوضع في وفاة مهاجرين، بينهم أطفال وأشخاص مسنون.
كما أن الأطفال المحتجزون يتعرضون بشكل خاص لانتهاكات جسيمة؛ بالسياسة الأمريكية المعروفة بـ”صفر تسامح”، والتي أدت إلى فصل الأطفال عن ذويهم، خلفت آثارًا نفسية واجتماعية عميقة، ولا تزال تداعياتها تُشعر بها المجتمعات حتى الآن,في المقابل الإدارة الحالية تحاول تخفيف هذه السياسات، لكنها تواجه تحديات لوجستية وقانونية معقدة، بالإضافة إلى الضغط السياسي من مختلف الأطراف.
ولذلك اصبجت الهجرة في أمريكا قضية سياسية ساخنة، حيث يستغلها السياسيون لتحقيق مكاسب انتخابية، خاصة في الولايات المتأرجحة. على الرغم من وجود دعاوى قضائية ومطالبات بإصلاحات، إلا أن التوازن بين السياسة الأمنية والالتزام بحقوق الإنسان لا يزال بعيدًا، خاصة مع تصاعد الخطاب السياسي المتشدد تجاه الهجرة.
لكن الإشكالية الرئيسية تكمن في أن القرارات السياسية كثيرًا ما تُتخذ من دون النظر الكافي إلى الأثر الإنساني، مما يخلق أزمة أخلاقية وتحديات قانونية. من هنا جاء وصف “السياسة على جثث الناس”، في إشارة إلى أن السياسة قد تُبنى أحيانًا على معاناة حقيقية، وفي أسوأ الحالات تؤدي إلى فقدان حياة أشخاص يطلبون فقط الأمان والكرامة.وهذا مخالف لاتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها الولايات المتحدة، والتى تلزمها بضمان حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين، بما في ذلك الحق في الحماية من التعذيب، والحق في العلاج الصحي اللائق، وحق الأسر في البقاء موحدة.
إلا أن سياسة إدارة الهجرة الأمريكية تجاهلت أو انتهكت هذه المبادئ، من خلال إجراءات اعتقال تعسفية، استخدام القوة المفرطة في بعض الحالات، ونقل المحتجزين لمسافات بعيدة دون توفير احتياجاتهم الأساسية.
وتُمارس هذه السياسات تحت غطاء الأمن القومي أو مكافحة الهجرة غير الشرعية، مما يبرر تجاهل المعاناة الإنسانية ويجعل “السياسة على جثث الناس” وصفًا دقيقًا للواقع.
والتجاهل المتكرر للمبادئ الإنسانية لا يضر فقط بالمهاجرين، بل ينعكس سلبيًا على صورة أمريكا كدولة تحترم القانون وحقوق الإنسان. فالسياسة التي تُبنى على معاناة وآلام الناس هي سياسة فاشلة وغير إنسانية,وعلى إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية أن تضع حقوق الإنسان في قلب سياساتها، مع تطوير آليات مراقبة شفافة ومحاسبة صارمة لمنتهكي حقوق المهاجرين.
إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تغيير الخطاب السياسي الذي يرى في المهاجرين تهديدًا أمنيًا فقط، بدلاً من اعتبارهم بشرًا يستحقون الكرامة والحماية. في نهاية المطاف، احترام حقوق الإنسان هو الأساس الحقيقي لأي سياسة هجرة ناجحة ومستدامة، وإلا ستظل السياسة “على جثث الناس” عنوانًا مظلمًا لهذه القضية.وهذا هو الوجة الحقيقي لسياسة أمريكا اليوم.