كبير علماء الآثار يرفض محتوى “نهاية الفراعنة”: مضلل وغير دقيق ومثير للشكوك

أثار الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، العديد من التساؤلات والشكوك حول التوقيت الذي اختير لبث حلقة برنامج “الدحيح” تحت عنوان “نهاية عصر الفراعنة”، والتي وصفها بأنها “مشبوهة” وتحمل سردًا منحازًا يهدف إلى تشويه التاريخ المصري العريق، وذلك تزامنًا مع حدث وطني عظيم يتمثل في افتتاح المتحف المصري الكبير يوم 3 يوليو المقبل، والذي يعدّ أعظم متحف أثري في العالم.
وأعرب شاكر في تصريحات لـ”تليجراف مصر، عن استغرابه من تكرار محاولات التشكيك في هوية مصر وحضارتها في لحظات الانتصار، متسائلًا: “أليس من العجيب، بل من المريب، أنه وقبل افتتاح هذا الصرح الأثري العملاق، تنطلق قافلة مجهولة من تونس والجزائر مرورًا بليبيا، تحت شعار كسر الحصار عن غزة، بينما وجهتها الحقيقية هي الحدود المصرية؟ وفي التوقيت ذاته تقريبًا، تُبث حلقة إعلامية تسرد تاريخ مصر وكأنها كانت حارة بلا بوّاب، وكأن المصريين لم يحكموا أرضهم إلا صدفة؟”.
ووجّه شاكر انتقادات حادة لمحتوى الحلقة، مؤكدًا أنها افتقرت إلى الحد الأدنى من الدقة الأكاديمية، واعتمدت على سردية مشوشة ومصادر سطحية، وكتب لمؤلفين غير متخصصين في علم المصريات.
تابع: من أراد الحديث عن حضارة مصر، فعليه أن يدخل من أبوابها الكبرى، لا من ثغرات التشكيك وحدود الغوغاء”.
أخطاء تاريخية وتضليل ممنهج
ولفت كبير الأثريين إلى عدد كبير من المغالطات التاريخية التي احتوتها الحلقة، والتي وصفها بأنها “اختزال مخل ومضلل لحضارة ممتدة عبر آلاف السنين”.
وواصل ومن بين هذه الأخطاء: استخدام مصطلح “الفراعنة” بشكل خاطئ، مؤكدًا أن “فرعون” كان مجرد لقب من ألقاب ملوك الدولة الحديثة، بينما الاسم الأصح هو “الحضارة المصرية القديمة”، تمامًا كما نقول الحضارة اليونانية أو الفارسية.
وأكمل: “الادعاء بأن اليونانيين والرومان قضوا على الحضارة المصرية، وهو طرح مجتزأ، إذ إن هؤلاء لم يكونوا غزاة بالمعنى الكامل، بل تأثروا بالحضارة المصرية، وقلدوها واحتفوا بها، وبنوا معابد تحمل طابعها، وساهموا في نقلها إلى أوروبا”.
موت الحضارة المصرية
وأشار إلى أن الحديث عن موت الحضارة المصرية مع انتهاء اللغة والدين، في حين أن اللغة المصرية تطورت إلى القبطية، وهي ما زالت تُستخدم في الكنائس، موضحا أن الطقوس والعادات المصرية القديمة تسربت إلى الديانة المسيحية، وحتى إلى الإنشاد الديني الإسلامي وأسلوب قراءة القرآن في المدرسة المصرية.
وانتقد التشكيك في مقاومة المصريين للغزاة، مضيفا أن الحلقة تجاهلت الثورات الداخلية والتمسك باللغة والهوية الثقافية، وتغافلت عن الأسباب المعقدة لسقوط الدول، مثل ضعف الإدارة، والتغيرات المناخية، والمجاعات، والانقسامات الداخلية.
فك رموز اللغة الهيروغليفية
وتابع: إغفال دور المصريين والعرب في محاولات فك رموز اللغة الهيروغليفية، ومنها جهود ابن وحشية، وذو النون المصري، ويوحنا الشفتشي، الذي ساعد شامبليون نفسه في تعلم القبطية.
وشدد على أن ادعاء أن الحضارة ماتت بالكامل، وهو طرح تبسيطي، يتغافل عن آلاف العادات والتقاليد التي ما تزال راسخة في الحياة اليومية للمصريين، من التقويم الزراعي (الشهور القبطية) إلى طقوس شم النسيم، و”السبوع”، و”أربعين الميت”، ورش الماء، واستخدام البخور، وطقوس الزواج، وغيرها.
وكما انتقد كبير الأثريين، التقليل من مكانة الحضارة المصرية عالميًا، رغم أنها تدرس اليوم في جامعات العالم، ويخصص لها علم مستقل هو “علم المصريات”، وتضم أرض مصر اليوم أكثر من 250 بعثة أثرية تنقب وتعيد ترميم آثارها.
دعوة للتصدي الفكري
وقال شاكر: “من المعيب اختزال حضارة عمرها 10 آلاف سنة في حلقة مدتها 52 دقيقة، تمر مرور الكرام على الأسر المالكة والتحولات الكبرى في الدين والسياسة والمجتمع. ما بُني على مصادر سطحية، يخرج بتفسيرات سطحية”.
واستنكر ما وصفه بـ”التهوين من شأن التاريخ المصري” عبر تشكيك غير علمي، موضحًا أن بعض من يروجون لمثل هذه السرديات يعتمدون على تصورات دينية خرافية أو أساطير عن قوم عاد والفضائيين وقارة أطلانتس، وغيرها من الأوهام.
الحضارة المصرية لا تموت
وأكد أن “الحضارة المصرية لا تموت، لأنها متجددة، ومندمجة في وجدان الناس، وعقولهم، وعاداتهم، ولغتهم، وأعيادهم، ومعتقداتهم. وهي ملك للعالم كله، لكنها أساسًا ملك لأبنائها، الذين عليهم أن يتصدوا فكريًا لكل من يحاول انتزاعها منهم عبر التضليل والتشكيك والتهوين”.
واختتم شاكر، تصريحه بدعوة صريحة إلى المؤسسات الأكاديمية والإعلامية المصرية بأن تتعامل مع مثل هذه الأطروحات برصانة ومسؤولية، وأن تُعيد تقديم التاريخ المصري للعالم بلغة معاصرة، لا تجتزئ ولا تشوه، بل تفتخر وتبني.