مؤسس حماس في الولايات المتحدة: لماذا لم تتخذ إسرائيل قرار اغتيال موسى أبو مرزوق؟

في ظل التطورات الأخيرة لحرب الإبادة الإسرائيلية على عزة، وتصفية قيادات حركة حماس، تتصاعد التساؤلات حول أحد الشخصيات الغامضة والمحورية في تاريخ حركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق.
فبينما استهدفت إسرائيل العديد من قادة الحركة، ظل أبو مرزوق بمنأى عن أي استهداف، ليتساءل موشيه إلعاد، عقيد متقاعد وباحث في الشؤون الشرق أوسطية ومحاضر بارز في الكلية الأكاديمية للجليل الغربي بإسرائيل، “هل هذا قرار إسرائيلي استراتيجي، أم أن الولايات المتحدة هي التي مارست الضغط لمنع ذلك”.
علاقات الـ CIA بمصادر فلسطينية.. سوابق تاريخية
في بداية حديثه، يشرح إلعاد في تحليله بصحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن “وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) تعمل على تشغيل مصادر فلسطينية منذ سنوات عديدة، وقد كُتب الكثير عن اثنين من هذه المصادر:
ويوجد على رأس هولاء ماجد فرج قائد قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، الذي دُعي فجأة إلى البيت الأبيض وحصل على وسام تقدير من الرئيس أوباما.
تبين حينها أنه في عام 2013، ساعد فرج الـ CIA والجيش الأمريكي في القبض على أحد كبار إرهابيي القاعدة – نزيه عبد الحميد الرقعي (“أبو أنس الليبي”)، الذي كان مطلوبًا لفترة طويلة وخطط لعمليات إرهابية كبرى في الولايات المتحدة، وفي إطار دوره الحالي، يعمل فرج بتعاون كامل مع الجيش الإسرائيلي والشاباك، وهو عمل لا يمكن للولايات المتحدة إلا أن ترحب به.
كما ذكر علي حسن سلامة “الأمير الأحمر”، قائد “أيلول الأسود” في فتح خلال السبعينيات، والذي كان يعمل لسنوات في لبنان بواسطة كبير عملاء الـ CIA روبرت (بوب) إيمز، وقد حذرت الولايات المتحدة إسرائيل مرارًا وتكرارًا “عـدم المس به”.
في النهاية، قامت الموساد بتصفية سلامة في يناير 1979 في بيروت، وهي عملية أثارت غضبًا كبيرًا في أوساط الاستخبارات الأمريكية، حيث كان سلامة، وفقًا لـ CIA، مرشحًا أمريكيًا ليحل محل ياسر عرفات كزعيم للفلسطينيين.
تجاهلت إسرائيل التحذيرات الأمريكية وادعت أن سلامة مسؤول عن حادث ضحايا أولمبياد ميونيخ (1972)، بالإضافة إلى عمليات قـتل أخرى خطط لها.”

أبو مرزوق “المهندس السياسي” لحماس في أمريكا
وفيما يتعلق بموسى أبو مرزوق، يؤكد إلعاد: “بالنسبة للشخص الثالث، الدكتور موسى أبو مرزوق، على الرغم من أنه لم يُعلن أبدًا عن كونه مصدر معلومات أمريكي، إلا أن حقيقة أنه لا يزال يتنقل بحرية في العالم على الرغم من كونة من أبرز القيادات البارزة في حماس، تثير تساؤلات وتتطلب تفسيرًا من كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الرسمية.
يعد أبو مرزوق أحد أبرز وأكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الفصائل الفلسطينية بشكل عام، وأحد الرؤس المدبرة لحركة حماس.
ويعتبر إلعاد أن أبو مرزوق يمكن اعتباره “المهندس السياسي” للحركة وممولها الرئيسي، حيث يجسد نشاطه كيفية استغلال الحركات الحديثة للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لإنشاء البنى التحتية والتمويل والتعبئة السياسية.
ويضيف إلعاد: “في كتب التاريخ سيُكتب بالتأكيد أن حماس تأسست في قطاع غزة في منتصف ديسمبر 1987، لكن سجلات المحاكم في المقاطعات الشمالية لإلينوي وشمال تكساس في الولايات المتحدة تحكي قصة مختلفة تمامًا.
وأوضح العقيد الإسرائيلي، أن حماس نشأت في الولايات المتحدة، وتحت أنوف أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية وأمام أعين أمريكا المغمضة، نما هذا التنظيم، فكيف إذن غاب تأسيس وتطور حماس عن أعين سلطات القانون والإنفاذ الأمريكية؟ ولماذا أُفرج عن مؤسس حماس في الولايات المتحدة، الدكتور موسى أبو مرزوق، من سجنه، ولماذا امتنعت إسرائيل، التي صفّت جميع كبار قادة حماس، عن تصفية أبو مرزوق تحديدًا؟.
ويفصل إلعاد التناقض: “فقط بسبب المخالفات الضريبية التي ارتكبها في الولايات المتحدة، كان من المفترض أن يُسجن أبو مرزوق لفترة طويلة، لكنه بدلاً من ذلك، أُفرج عنه فجأة من سجنه ويتجول في كل مكان كملك بين شعبه”.
هذا السؤال، ومثله، طُرح في وسائل الإعلام الأمريكية، وكان الجواب أنه بينما كان مسجونًا في عام 1995، قُـدم طلب تسليم من كل من الأردن وإسرائيل، وواجهت السلطات الأمريكية قضية قانونية صعبة جعلت من الصعب تنفيذ التسليم.
كانت القضية صعبة لدرجة أنه في أحد اللقاءات في القاهرة بين مصر وحماس برعاية أمريكية، حضر موسى أبو مرزوق.

“حماس أمريكا”.. استغلال واجهة المنظمات الخيرية
في سياق الدعم الأمريكي غير المباشر، يجادل إلعاد: “الآن، عندما نبدأ نشعر باقتراب نهاية التنظيم، يجب أن نتذكر كيف استغل هذا التنظيم الانفتاح الأمريكي المفرط كنقطة انطلاق لإنشاء كتائب عز الدين القسام في قطاع غزة.
شيئًا فشيئًا، بدأت سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة تدرك، متأخرة جدًا، أن المنظمات الإسلامية في أمريكا التي اختبأت وراء أنشطة اجتماعية بريئة وأمريكية جدًا، لم تسعَ لنفسها شيئًا، سوى تحويل العالم كله إلى عالم مسلم خالٍ من المسيحيين واليهود، بالإضافة إلى تطبيق الشريعة على العالم، ولهذا الغرض سيكونون مستعدين لأي تضحية.
ويكشف إلعاد عمليًا: “نفذت عناصر حماس ذلك عبر منظمات واجهة، منظمة الواجهة هي مصطلح يصف منظمة تعمل ظاهريًا ككيان مستقل وشرعي، لكنها في الواقع تستخدم كغطاء لنشاط كيان آخر – غالبًا سياسي، أيديولوجي، أمني، أي أنها منظمة تبدو وكأن لها أهدافًا مستقلة أو مدنية، لكنها تدار أو تُسيطر عليها من قبل جهة أخرى لتعزيز أهداف خفية أو غير قانونية.
ويواصل إلعاد تفصيله: “عُرّفت المنظمات من قبل مؤسسيها على أنها منظمة شعبية غير ربحية ستعمل على تعزيز الوعي بالجوانب العامة والسياسية والتعليمية والاجتماعية للقضية الفلسطينية”.
وعندما رأى أبو مرزوق وزملاؤه أن الوضع جيد، وسّعوا نشاط IAP ليشمل ولايات أمريكية مثل إنديانا وأريزونا وكاليفورنيا، وفي إطار هذا التوسع، نُشر ميثاق المنظمة وتُوزعت أول نشرة إخبارية باسم ‘إلى فلسطين’ دعت علانية إلى ‘تصفية الكفار واليهود’.”

“أبو عمر” وحصانته المستمرة: هل تدخلت أمريكا؟
في إشارة إلى حجم نشاط أبو مرزوق، يجادل إلعاد: “في عام 1989، بعد عامين من تأسيس حماس في غزة، أسس أبو مرزوق منظمة واجهة أخرى باسم الاتحاد الموحد للدراسات والأبحاث (UASR) والتي كانت ظاهريًا تعمل كمعهد أبحاث (مثل معهد راند في الولايات المتحدة) ولكن في الواقع كانت هي المؤسسة المسؤولة عن تنسيق وتنظيم وتسويق حملات العلاقات العامة لحماس في الولايات المتحدة.
وكما ذكرنا، تشير سجلات المحاكم في إلينوي وتكساس في الولايات المتحدة إلى أن موسى أبو مرزوق ليس عنصرًا عاديًا – إنه يمثل الشخصية البارزة لزعيم بالمعنى السياسي والمالي والاستراتيجي”.
ويختتم إلعاد متسائلاً: “لقد استغل الأنظمة القانونية الديمقراطية للولايات المتحدة، وأسس فيها بنى تحتية، ومول أنشطة حماس، وتلاعب بالساحة الدولية بينما كان يرسل رسالة ‘معتدلة’ تدعو إلى الحوار – في حين كانت وراءه شبكة معقدة من العنف والتحريض. ‘
وفي ذروة تحليله، يلخص إلعاد: “يُطرح السؤال، عناصر ‘ساهموا’ أقل من أبو مرزوق في المقاومة (المقاومة الحمساوية) مثل الشيخ أحمد ياسين، إسماعيل هنية، صالح العاروري، صلاح شحادة، عبد العزيز الرنتيسي، يحيى عياش وآخرون، تم تصفيتهم بعمليات اغتيال مستهدفة من قبل الجيش الإسرائيلي، بينما يواصل أبو مرزوق، المعروف أيضًا باسم ‘أبو عمر’، التمتع بالحصانة، لماذا؟
وتساءل إلعاد كيف لم يتعرض هذا القيادي البارز الذي أسس حركة حماس في الولايات المتحدة، وهو الممول الذي بفضله تأسس النظام العملياتي واللوجستي لكتائب عز الدين القسام، حتى لخدش من قبل إسرائيل؟ لماذا لم نسمع أبدًا عن محاولة لاغتيال أبو مرزوق؟ لسنوات.