لقطات.. د. جودة عبدالخالق يكتب: القمة العربية: ما الذي جرى؟ وما الأسباب؟

لقطات.. د. جودة عبدالخالق يكتب: القمة العربية: ما الذي جرى؟ وما الأسباب؟

انتهت القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد منذ أيام بإصدار بيان ختامى قد ينطبق عليه المثل القائل “تمخض الجبل فولد فأرا”. قال القادة العرب في ختام قمتهم: “الهدف من القمة العربية توحيد جهودنا وتحقيق مصالح شعوب منطقتنا”. عظيم. وأكدوا على مركزية القضية الفلسطينية ومطالبة بوقف فوري للنار في غزة. وقالوا أيضا: نجدد رفضنا القاطع لتهجير الشعب الفلسطيني. ندعم الخطة العربية الإسلامية بشأن إعادة إعمارغزة. وطالبوا “بضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.” و”حثوا المجتمع الدولي بالضغط من أجل وقف إراقة الدماء في غزة.”  ما حك جلدك مثل ظفرك. وأدانوا الاعتداءات الصهيونية على سوريا. وطالبوا بإيجاد حل سياسي لإيقاف الصراع في السودان. يعنى رفض ومناشدة ومطالبة  … إلخ. نفس القاموس المستهلك: الاكتفاء بالقول ومطالبة الآخرين بالفعل.

على سبيل التقييم الأشمل لحدث القمة، نقول إن هناك بعض الإيجابيات والكثير من السلبيات. من الإيجابيات عودة العراق إلى مكانه الطبيعي في قلب العالم العربى بعد غياب طال حوالى ربع قرن بمفعول الاحتلال الأمريكي. بغداد تاريخيا إحدى درر التاج العربى، إن جاز لنا أن نقول.  ويجب أن نثمن عاليا عودتها إلى الحضن العربى واحتضانها للقمة العربىة وسعيها الحثيث للم الشمل وتوحيد الصف العربى. ومن الإيجابيات القليلة أيضا كلمة جمهورية مصر العربية التي ألقاها الرئيس السيسى. أتوقف هنا طويلا عند قول مصر على لسان رئيسها، أنه حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية. فهذا  في تقديرى هو القول الفصل.

أما السلبيات، فأبرزها أن الانقسام العربى قد ازداد اتساعا وعمقا. بكل أسف نرصد هذه الحقيقة المرة. يشهد على ذلك غياب معظم قادة الدول العربية من رؤساء وملوك وسلاطين وأمراء. وهذا مما ينغصنى في أرض يَعْرُب. فهل تحول القادة العرب من إخوة في العروبة إلى إخوة أعداء؟ لا عجب أن أصبحنا كغثاء السيل، يوشك الأمم أن تتداعى علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. وبهذه المناسبة الحزينة، نستدعى مفارقة صارخة بين حدثين تاريخيين يفصل بينهما حوالى نصف قرن.

ففي عام 1973 اتخذت الدول العربية المصدرة للنفط بزعامة الملك فيصل ملك السعودية قرارا تاريخيا بحظر تصدير النفط الى الدول التي تدعم العدوان الاسرائيلى. كان ذلك دعما لمصر وسوريا، بالفعل لا بالقول، في حرب أكتوبر المجيدة. مقابل ذلك، أقامت بعض دول الخليج الأفراح والليالى الملاح للرئيس الأمريكي وقدموا له من الهدايا ما يفوق الوصف، فضلا عن مئات المليارات من الاستثمارات دعما للاقتصاد الأمريكى. كل هذا وغزة تحترق بالنيران الأمريكية، وبفعل إسرائيل.

السؤال الحارق الآن: أين الجامعة العربية من كل هذا؟ يبدو لى أن الجامعة قد أصبحت خارج التاريخ- هيكل عظمى أو كيان ورقى. لقد آن الأوان لفتح ملف الجامعة العربية: فإما الإصلاح وإما الإغلاق. ولكن هذا موضوع مقالات أخرى. ولا أجد أفضل ما أتم به مقالى هذا إلا كلمات الشاعر على الحصرى من شعراء الحقبة الأندلسية:

مِمّا ينغّصُني في أَرضِ أَندَلُسٍ

سَماعُ مُعتَصِمٍ فيها وَمُعتَضِدِ

أَسماءُ مَملَكَةٍ في غَيرِ مَوضِعِها

كَالهِرِّ يَحكي اِنتِفاخاً صَولَةَ الأَسَدِ