إبراهيم نوار: تحديات التصنيع والخلل في الميزان التجاري

إبراهيم نوار: تحديات التصنيع والخلل في الميزان التجاري

بقلم /إبراهيم نوار

 

تحلم مصر بتحقيق رقم للصادرات السلعية يبلغ 145 مليار دولار في عام 2030. هذا الرقم يبدو كبيرا إذا عرفنا أن صادرات مصر في عام 2016 الذي أُطلِقت فيه الرؤية كان 22.5 مليار دولار فقط، وهو ما يعني أن الرقم المستهدف يتجاوز 6 أمثال رقم المحقق في ذلك الوقت. لكننا في التحليل الاقتصادي نعتبر تلك المقارنة عقيمة إذا لم نأخذ في اعتبارنا ثلاثة متغيرات: الأول هو متوسط معدل النمو العالمي للصادرات، والثاني هو متوسط معدل النمو في الدول الشبيهة بمصر، والثالث هو التركيب النوعي للسلع التصديرية وما إذا كان محرك الزيادة هو المواد الخام، مثل النفط الخام أو الفوسفات أو الذهب أم السلع المصنعة المتقدمة مثل أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية.

وإذا خرجنا من نطاق مقارنة أنفسنا في العام الحالي بما كنا عليه في العام الماضي إلى آفاق مقارنة أنفسنا بالدول الأخرى المنافسة أو الشبيهة لنا، فإننا نقترب من التقييم الصحيح لاستراتيجيتنا التنموية. ولا تقتصر استراتيجية التنمية على مجرد إعلان الأهداف، بل أنها تتضمن وسائل تحقيقها،وطرق متابعة وتقييم الأداء، وتصويب الأخطاء خلال عملية التنفيذ حتى نتمكن من تعظيم المكاسب والمزايا، وتجنب تفاقم الأخطاء بلا علاج. وفي هذا السياق فإننا سنقارن حلمنا التصديري بالأداء في دولتين منافستين، الأولى قريبة هي تركيا والثانية بعيدة هي فيتنام.

في عام 2016 الذي كانت صادراتنا فيه قد وصلت إلى 22.5 مليار دولار، حققت تركيا صادرات بقيمة 149 مليار دولار. وحققت فيتنام صادرات بقيمة 177 مليار دولار. هذا يعني ان حلم صناع السياسة الاقتصادية المصرية لما يمكن تحقيقه في قطاع الصادرات لعام 2030 كان يقل عما حققته تركيا أو فيتنام في عام إصدار رؤية مصر 2030 الأصلية قبل تحديثها. وليست مصر بثرواتها وإمكاناتها أقل من أي من البلدين. ونظرا لأن السياسة الاقتصادية لدينا لا تقارن الأداء الاقتصادي بأداء الدول المنافسة، فإن المواطن يجهل المكانة الاقتصادية لبلاده وسط هرج ومرج حفلات المزامير والطبول ورقص الخيول.

لقد نشأت صناعة السيارات في ماليزيا في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بعد مصر بحوالي 20 عاما. وينتج هذا البلد حاليا حوالي 800 ألف سيارة في العام، في حين تنتج مصر أقل من نصف هذه الكمية. ومع أن مصر بدأت توطين صناعة السيارات في وقت تزامن مع المغرب فإن المملكة المغربية تنتج الآن ما يقرب من ضعف إنتاج السيارات في مصر، وتحقق معدلات نمو سريعة جدا، وتجذب استثمارات مالية ضخمة، جعلتها واحدة من أهم حلقات سلاسل إنتاج السيارات الأوروبية. فيتنام التي تستورد القطن الخام من الولايات المتحدة والهند تصدر من الملابس الجاهزة والأقمشة ما يزيد على كل صادرات مصر السلعية. وإذا أردنا الاستمرار في المقارنة بين مصر وكل من تركيا وفيتنام فإننا يمكن أن نصاب بصدمة إذا عرفنا أن قيمة صادرات تركيا في العام الماضي وصلت إلى حوالي 262 مليار دولار، وأن أهم الأسواق التي تستقبل السلع المصنعة في تركيا هي دول صناعية متقدمة على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. أما فيتنام فإنها صدرت في العام الماضي ما قيمته 405 مليارات دولار، وكانت أهم أسواق صادراتها من السلع المصنوعة تتمثل في الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والصين. أما مصر فقد صدرت في العام المذكور سلعا بقيمة 45 مليار دولار تقريبا أي ما يعادل أقل من خُمس الصادرات التركية، وما يزيد قليلا على عُشر الصادرات الفيتنامية.

ولا تزال سياسة مصر الصناعية تقوم على فلسفة إحلال الواردات العقيمة. كما أنها تركز على تنمية الصادرات من الموارد الطبيعية والمواد الخام الناضبة مثل النفط والغاز والذهب والفوسفات، إلى جانب السلع الزراعية. وإذا أرادت مصر تحديث حلمها في التصدير فإنها لابد أن تتجه إلى التصنيع وتوطين وتنمية الصناعات ذات القيمة المضافة المرتفعة مثل السيارات والإليكترونيات والطاقة المتجددة، مع الاهتمام أيضا بتطوير الصناعات التقليدية مثل الملابس الجاهزة والمصنعات الغذائية. في هذه الحالة فإن أنشطة الصناعات المستهدفة لن تكون الإنتاج للسوق المحلي فقط، وإنما للسوق العالمي أيضا. هذا يتطلب أن ننتج للسوق المحلي بمواصفات عالمية تساعد المنتجات المصرية على المنافسة في سوق مفتوحة محلية وفي العالم أجمع.

إن مصر هي أقدم الدول الصناعية في الشرق الأوسط، ونظرا لأنها تتوسط المنطقة كلها والعالم، فإن قدرتها على النفاذ إلى الأسواق المجاورة تفوق غيرها من الدول. وعليه فإن قدرتها على الدخول في سلاسل الإنتاج العالمية سهلة جدا، ومن الصعب على غيرها منافستها في ذلك. ومن الخطأ التفريط في المزايا اللوجستية والجغرافية التي تتمتع بها مصر. هذا لا يعني غلق الأبواب أمام المستثمرين الأجانب، وإنما يجب أن يعمل هؤلاء في بيئة أعمال شفافة، طبقا لرؤية مصر وليس لمجرد تحقيق الأرباح. الرؤية المصرية للاستثمار يجب أن تركز على احتياجات التنمية المستدامة وبناء القدرات التنافسية للسلع والخدمات المصرية في العالم. إن الطريق الصحيح إلى تنمية التجارة هو زيادة الصادرات وليس تقليل الواردات، فزيادة الصادرات تعني زيادة الاستثمار وزيادة الإنتاج وإتاحة فرص العمل، بينما تقليل الواردات يعني تخفيض الاستثمار، وانكماش الإنتاج ونقص عرض السلع ونقص فرص العمل. ولعل الاطلاع على المعدلات الضعيفة أو السالبة لنمو الصناعات التحويلية غير البترولية في العامين الماضيين يقودنا إلى إدراك أهمية التصنيع وأهمية الصادرات. لقد ارتفع عجز الميزان التجاري في النصف الأول من السنة المالية الحالية بمعدل سنوي بلغ  48% تقريبا، نظرا لأن معدل زيادة الصادرات (14%) كان أقل من نصف زيادة الواردات (32%).