إبراهيم نوار يكتب: تراجع الاقتصاد: 25% من الناتج المحلي تستهلكها أعباء خدمة الديون

إبراهيم نوار يكتب: تراجع الاقتصاد: 25% من الناتج المحلي تستهلكها أعباء خدمة الديون

بقلم إبراهيم نوار

ترحل بعد أسابيع قليلة السنة المالية الحالية، لتخلي مكانها لسنة مالية جديدة. السنة المالية تبدأ عند قلة قليلة من أهل مصر بأفراح عقود المقاولات والتوريدات والمزايدات والمناقصات والعمولات التي تملأ جيوبهم. هؤلاء يمثلون ربما أقل من 1% من السكان، يتساقط بعض فتات الثروة من أيديهم في جيوب 9% يعملون في خدمتهم.  أما أكثر من 90% من أهل مصر فإن السنة المالية تبدأ عندهم بالهم والخوف من المستقبل الغامض. الأرقام الرسمية عن توزيع الدخل توقفت منذ نحو 5 سنوات، ويقدر البنك الدولي أن نسبة الفقراء زادت بمقدار 4 نقاط مئوية خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يعني ان أكثر من ثلث أهل مصر يعيشون تحت خط الفقر. وإذا قرأت البيانات الرسمية فلن تشعر أن مصر تواجه أي مشكلة، لأن حكومتها تقسم دائما انها قادرة على قهر التحديات والتغلب على الصعوبات، بفضل نباهة وذكاء ما يطلق عليه الآن “الدولة المصرية”! وهي  كائن غامض، يبدو أقوى من “اليد الخفية” لآدم سميث، التي تعيد التوازن لكل ما يختل بدون الحاجة إلى تدخل.

لكنك ما أن تنظر حولك، حتى تصطدم بحقائق الواقع إذا كنت من جماعة الـ90%، وحتى إذا كنت من جماعة الـ9% فربما تساورك بعض الشكوك. وعندما يسيطر عليك القلق أو تساورك الشكوك، فلن يكون أمامك غير الاستعانة بصديق، لكي يعيد إلى نفسك بعض اليقين أو يزيح عن صدرك بعض الشكوك. وليس من صديق تلجأ إليه أفضل من صندوق النقد الدولي، ليس لأنه يشفق على حالك، ولكن لأنه يعرف أكثر منك، وأنه هو الصانع الحقيقي للسياسة الاقتصادية، الذي يؤدي واجبه بدقة تجاه الدائنين. ويخبرنا الصندوق أن الوضع الاقتصادي “لا يزال هشا” حسب تقرير المراجعة الرابعة لقرض التسهيلات المالية الممدد الذي يساعد الحكومة على تحقيق التوازن حتى نهاية العام المقبل.

ويذكر التقرير سببين رئيسيين في تفسير “الهشاشة”. السبب الأول هو استمرار حرب غزة والتوتر الإقليمي في البحر الأحمر. و بالقطع لا تستطيع الحكومة أن تفعل في شأن ذلك شيئا. أما السبب الثاني فهو ارتفاع احتياجات التمويل الحكومي، خصوصا لسداد أقساط وفوائد الدين الحكومي. وطبقا لأرقام الموازنة المقترحة فإن عبء الدين العام، الذي يشمل سداد أقساط وفوائد الديون المحلية والأجنبية المستحقة خلال السنة المالية يعادل ما يقرب من رُبْع قيمة الناتج المحلي الإجمالي، و يتوزع على الشكل التالي:

سداد القروض المحلية والأجنبية بقيمة 2462.8 مليار جنيه، بما يعادل 12.1% من الناتج، ويستهلك ما يقرب من 31% من الاستخدامات في الميزانية.

سداد الفوائد المجمعة بقيمة 2298 مليار جنيه بما يعادل 12.7% من الناتج، بما يعادل أكثر من نصف المصروفات الكلية.

وبذلك فإن إجمالي عبء  الدين العام (الأقساط والفوائد) يعادل 24.8% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه النسبة تمثل عبئا ثقيلا على الاقتصاد، لأنه تعتبر اقتطاعا من موارد كان يمكن تخصيصها للتنمية والاستثمار. ويزداد الأمر سوءا عندما نعلم أن الإيرادات الكلية للميزانية لن تكفي لتغطية احتياجات خدمة الدين العام. وتقدر الإيرادات الضريبية بحوالي 3.1 تريليون جنيه، بما يغطي ثلثي احتياجات تمويل عبء الدين العام فقط (بنسبة 65.5%). ولذلك فإن الحكومة لن يكون أمامها غير زيادة الاقتراض، وبيع أصول وطنية مملوكة للشعب، وتخفيض الإنفاق العام. وتقدر الحكومة القيمة الكلية للاقتراض بحوالي 3.5 تريليون جنيه.

وطبقا لتوقعات صندوق النقد الدولي للسنة المالية التي تنتهي في آخر يونيو فإن نسبة الدين الخارجي للناتج تقدر بحوالي 46.1% مقارنة ب 39.9% في نهاية السنة المالية السابقة. ويقدر العجز الكلي في الميزانية بحوالي 10.6% من الناتج المحلي مقارنة ب 3.6%، أما العجز المتوقع في الحساب الجاري للمعاملات مع العالم الخارجي فيقدر بحوالي 5.8% من الناتج بزيادة طفيفة عن السنة المالية السابقة. ومن المتوقع أن الوضع المالي في الموازنة الجديدة سيكون أفضل.

وتتضمن توصيات صندوق النقد للحكومة: ضرورة التعجيل بالتخارج من المشروعات المملوكة للدولة، والالتزام بمرونة سعر الصرف، وضبط مالية الكيانات الاقتصادية غير المدرجة في الميزانية، وضرورة تعبئة المزيد من الإيرادات المحلية من خلال الضرائب والرسوم، والالتزام بإستراتيجية فعالة لخفض الدين العام، ورفع أسعار الطاقة إلى ما يعادل قيمة استرداد تكلفة الإنتاج، وغيرها من الإجراءات ذات الأثر الانكماشي خصوصا في مجال الاستثمار، حيث حدد الصندوق سقفا له. وتبلغ قيمة الاستثمارات العامة المستهدفة في مشروع الموازنة حوالي 434.9 مليار جنيه (495.8 في الموازنة الحالية) بانخفاض مقداره 60.9 مليار جنيه بنسبة انخفاض تبلغ 12.28% عن السنة المالية الحالية.

ونظرا لانتهاء برنامج الاقتراض من صندوق النقد الدولي عام 2026 فإن الحكومة من المرجح ان تتوسع في اللجوء لبيع أو تأجير نسبة أكبر من الأصول الاقتصادية الوطنية، وزيادة الضرائب والرسوم لتحقيق هدف زيادة حصيلة الإيرادات الضريبية بما يعادل نصف نقطة مئوية من الناتج المحلي سنويا. ومن الملاحظ أن حصيلة الضرائب المتوقعة في السنة المالية الجديدة تصل إلى 2654.7  بنسبة 85.1% من الإيرادات العامة، تعادل 13% من الناتج المحلي، وهي نسبة تقل عن المتوسط العالمي للإيرادات الضريبية للدول النامية ذات الدخل المتوسط الأدنى التي تتراوح بين 15% إلى 35%. وتعتمد استراتيجية زيادة الإيرادات على توسيع النطاق الضريبي، وتعظيم حصيلة الضرائب غير المباشرة. وهي أدوات شديدة التحيز  ضد الفقراء ومتوسطي الدخل.