لقطات.. د. جودة عبدالخالق يكتب: تلاعب بإرادة الناس وتدمير الاقتصاد الوطني

رغم المراوحة بين البيت والمستشفى، نتيجة لتدهور حالتى الصحية، إلا أننى أتحامل على نفسى وأكتب لإرسال صرخة تحذير الى المسئولين عن شؤون الوطن. وأخص بالذكر رئيس الجمهورية، باعتباره الآمر الناهى في مصر. أنا أتحدث بكل صراحة، مدفوعا فقط بالحرص على مستقبل بلدنا وبما يمليه علىّ ضميرى المهنى كأستاذ اقتصاد. سيادة الرئيس، إن الحكومة ضالعة في مقامرة ستزلزل دعائم الاقتصاد، ومجلس النواب ضالع في مؤامرة لتزوير إرادة العباد. إن المركب الذى تقوده سيادتكم على وشك الغرق. الأمن القومى لمصر في مهب الريح، لأن اقتصاد البلاد دخل مرحلة بونزى وهى مرحلة من عدم الاستقرار المالى.
فها هو مجلس النواب الموقر يناقش تعديلا لقانون الانتخابات وقانون ترسيم الدوائر الانتخابية ويضرب عرض الحائط بكل الجهود التي بذلها الحوار الوطنى لفتح الملعب السياسى وخلق مساحة مشتركة للجميع دون احتكار أو إقصاء. إن مشروع القانون الذى تقدم به حزب مستقبل وطن يسير في أروقة مجلس النواب بسرعة الصاروخ. هذا المشروع يكرس نظام القائمة المطلقة المغلقة ويزيد من ترسيخ سيطرة رأس المال والعصبيات على مفاصل العملية السياسية في مصر. وفى هذا تجاهل تام لمخرجات الحوار الوطنى، التي كانت تستهدف فتح الملعب السياسى لضمان مشاركة أوسع من جانب القوى السياسية المختلفة في صياغة ومناقشة السياسات العامة.
وها هي الحكومة السنية تقدم للبرلمان مشروع موازنة للسنة المالية الجديدة 2025-2026 يتضمن سداد حوالى 4.4 تريليون جنيه كأقساط وفوائد للديون القائمة، بما يشكل حوالي 65% من إجمالى الاستخدامات في مشروع الموازنة. أي أن حوالى ثلثى الموازنة مخصص لخدمة الديون، ويبقى حوالى الثلث فقط للإنفاق على باقى البنود من أجور ودعم وأمن ودفاع وعدالة واستثمارات، فضلا عن الإنفاق الجارى لتسيير مرافق البلاد كلها. ولأن الموارد لا تكفى والعجز المالى يتسع، فإن مشروع الموازنة الذى قدمه وزير المالية الى البرلمان يتضمن قروضا جديدة تبلغ قيمتها أكثر من 3.5 تريليون جنيه. وهذا أمر خطير للغاية.
فعلماء الاقتصاد يعرفون جيدا فرضية عدم الاستقرار المالى، لعالم الاقتصاد الأمريكي المعروف هايمان مينسكى Hyman Minsky. هذه النظرية تفسر تواتر مراحل عدم الاستقرار واندلاع الأزمات المالية في ظل النظام الاقتصادى الرأسمالى. ولتوضيح هذه النظرية يميزون بين ثلاثة أنواع من التمويل الذى تلجأ إليه الوحدات الاقتصادية في الدولة لسد الفجوة بين إيراداتها الكلية ومصروفاتها الكلية. النوع الأول هو تمويل التحوط Hedge finance، والثانى هو تمويل المضاربة Speulative finance والثالث هو تمويل بونزى Ponzi finance. النوع الثالث هو الأخطر؛ إذ تلجأ من خلاله الوحدة الاقتصادية إما لبيع الأصول أو الاقتراض الجديد لسداد التزامات خدمة الدين القائم من فوائد وأقساط. وهذا بالضبط هو ما تقوم به الحكومة المصرية حاليا، كما يؤكده مشروع الموازنة الذى قدمته: بيع الأصول تحت مسمى الطروحات، واقتراض تحت مسمى التمويلات.