رابطة دول جنوب شرق آسيا ومجلس التعاون الخليجي يؤسسان “المثلث الذهبي”

في 27 مايو 2025، في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا – الصين – مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في كوالالمبور، ماليزيا، أصدرت الأطراف الثلاثة إعلاناً مشتركاً، يشير إلى التشكيل الرسمي لآلية تعاون عبر إقليمية تغطي منطقتي آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، وتشمل 40% من سكان العالم، بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 35 تريليون دولار.
وتكون الإعلان من ثمانية عشر بنداً لا يقتصر على بناء إطار تعاون في سبعة مجالات رئيسية – الاقتصاد والطاقة والرقمنة والثقافة – بل يشكل أيضاً توافقاً استراتيجياً حول قضايا الحوكمة العالمية مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتغير المناخ.
واهم بنود التعاون نعرضها في المحاور التالية
1. ترقية منطقة التجارة الحرة بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا
حيث ينص الإعلان بوضوح على إعطاء الأولوية لإكمال مفاوضات ترقية منطقة التجارة الحرة بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا إلى النسخة 3.0، وذلك بعد أكثر من عشرين عاماً من توقيع النسخة 1.0 في عام 2002.
و يبلغ حجم التجارة بين الصين ورابطة دول جنوب شرق آسيا 975.3 مليار دولار، ما يشكل 15.7% من إجمالي التجارة الخارجية للصين. ولأربع سنوات متتالية، تبقى رابطة دول جنوب شرق آسيا أكبر شريك تجاري للصين.
ستدمج الاتفاقية المحدثة مجالات جديدة مثل التجارة الرقمية والاقتصاد الأخضر في نظام القواعد، خاصة إنشاء إطار الامتثال للتجارة الإلكترونية عبر الحدود، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى تجاوز حجم التجارة الرقمية الإقليمية 2 تريليون دولار خلال خمس سنوات.
2. تسريع مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي
في الوقت نفسه، تسريع مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي له قيمة استراتيجية أكبر – حيث تسيطر دول مجلس التعاون الخليجي على 45% من احتياطيات النفط المؤكدة عالمياً، وصدرت 280 مليون طن من النفط الخام إلى الصين في عام 2024، ما يشكل 58% من إجمالي واردات الصين.
إذا تم التوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة، ستحصل دول الخليج على إمكانيات وصول أكثر استقراراً إلى الأسواق الآسيوية، بينما ستتمكن الصين من تعميق عملية تسوية الطاقة بالعملة الصينية اليوان.
3. استكشاف التسوية بالعملة المحلية والتعاون في المدفوعات عبر الحدود
لأول مرة، يقترح الإعلان استكشاف التسوية بالعملة المحلية والتعاون في المدفوعات عبر الحدود، مما يشكل رنيناً سياسياً مع انضمام السعودية إلى ترتيبات السيولة باليوان لبنك التسويات الدولية في 2023، وتحقيق الإمارات لمعاملات تجريبية لجسر العملة الرقمية مع البنك المركزي الصيني في 2024.
حالياً، تبلغ حصة اليوان في مدفوعات نظام SWIFT 4.7%. إذا تم تنفيذ آلية التسوية بالعملة المحلية بين الأطراف الثلاثة، من المتوقع أن تقلل تكاليف تسوية التجارة الإقليمية بنسبة 30%، مع إضعاف سيطرة هيمنة الدولار على أسواق الطاقة.
الأمر الأكثر جدارة بالاهتمام هو اقتراح إنشاء مجلس الأعمال الإقليمي، وهذه آلية حوار “بتوجيه حكومي وقيادة من الشركات”، تشبه نسخة مصغرة من “منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ”، وتوفر ضمانات مؤسسية للشركات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة في سلاسل القيمة العابرة للحدود.
4. موقف واقعي من تحول الطاقة
يؤكد الإعلان موقف “عدم استبعاد أي طاقة”، مما يعكس الموقف الواقعي للأطراف الثلاثة في تحول الطاقة. رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي تعهدت بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، إلا أن إيرادات النفط والغاز ما زالت تشكل 42% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024.
الصين، كأكبر مستثمر في الطاقة المتجددة عالمياً، وصلت قدرة الطاقة الشمسية المركبة إلى 680 جيجا واط في 2024، ما يشكل 38% من الإجمالي العالمي.
هذا التكامل يتحول في الإعلان إلى مسارات تعاون محددة: توفر دول مجلس التعاون الخليجي إمدادات طاقة مستقرة وأموال التحول، تصدر الصين التكنولوجيا النظيفة، وتلعب رابطة دول جنوب شرق آسيا دور السوق المطلوب والمحور الجغرافي.
مشروع توسيع الغاز الطبيعي المسال الأكبر عالمياً الذي أطلقته قطر في 2025 هو الحامل المادي لهذه العلاقة الثلاثية.
5. إدراج الطاقة النووية السلمية في التعاون
لأول مرة، يدرج الإعلان الطاقة النووية السلمية في التعاون الثلاثي، مما يشكل استمراراً سياسياً مع مشاريع الطاقة النووية السابقة بين الصين والإمارات، واستكشاف مناجم اليورانيوم السعودية.
الجدير بالملاحظة هو التأكيد على معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يشير إلى أن التعاون سيتجاوز نموذج تصدير الطاقة النووية التقليدي نحو تصدير المعايير التكنولوجية.
6. الذكاء الاصطناعي في المقدمة
يضع الإعلان تعاون الذكاء الاصطناعي في مقدمة الأجندة الرقمية، مما يشكل تبايناً واضحاً مع المسار التنظيمي لقانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي.
في 2024، شكلت طلبات براءات الاختراع للذكاء الاصطناعي الصينية 78% من الإجمالي العالمي، تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي 15 مليار دولار سنوياً في المدن الذكية، ومن المتوقع أن يتجاوز حجم الاقتصاد الرقمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا 300 مليار دولار بحلول 2030.
7. بناء نظام بيئي رقمي مستقل
“الإطار عبر الإقليمي” المقترح في الإعلان من الأطراف الثلاثة هو في جوهره بناء نظام بيئي رقمي منفصل عن الهيمنة التكنولوجية الغربية. الجدير بالاهتمام بشكل خاص هو التأكيد على أمان البيانات، مما قد ينبئ بإمكانية إنشاء نظام دفع رقمي مستقل عن SWIFT.
8. الحوسبة الكمومية ” Quantum Computing “في التعاون التكنولوجي المتقدم
يدرج الإعلان الحوسبة الكمومية في تعاون البنية التحتية التكنولوجية المتقدمة، مما يظهر التخطيط الدقيق للأطراف الثلاثة في المجالات التكنولوجية المتقدمة.
حاسوب الصين الكمومي الضوئي “تشيو تشانغ الثالث” وصل إلى سرعة حل تفوق الحاسوب العملاق بملايين المليارات من المرات، بنت الإمارات أول مختبر حوسبة كمومية في الشرق الأوسط في 2024، وحققت سنغافورة اختراقاً في مجال الاتصالات الكمومية.
إذا تمكن هذا التعاون من كسر الحصار التكنولوجي، فسيعيد تشكيل خريطة المنافسة التكنولوجية العالمية.
9. التعاون في الرقمنة السياحية
يؤكد الإعلان على الرقمنة السياحية وتعاون إدارة الوجهات، مما يشكل تناغماً سياسياً مع خطة “ممر السياحة الذكية” التي أطلقتها ماليزيا في 2024 ومشروع السياحة الذكية لـ”خطة البحر الأحمر” السعودية.
استقبلت دول رابطة جنوب شرق آسيا أكثر من 15 مليون سائح صيني في 2024، وإذا تم تحقيق التواصل في التأشيرات وربط المدفوعات من خلال المنصات الرقمية، من المتوقع زيادة إيرادات السياحة الإقليمية بنسبة 25%.
الأثر الأعمق هو أن نموذج “السياحة + التكنولوجيا” قد يولد مشاهد جديدة للحوار الحضاري.
10. التعاون التعليمي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات
يركز الإعلان على التعاون التعليمي في مجالات STEM، مما يتماشى مع بناء فروع الجامعات الصينية من “الدرجة الأولى المزدوجة” في رابطة دول جنوب شرق آسيا واستراتيجية المواهب لـ”رؤية 2030″ لمجلس التعاون الخليجي.
11. القضية الفلسطينية ودور الصين
تعبير الإعلان عن القضية الفلسطينية يشير إلى قفزة في دور الصين في الشؤون الشرق أوسطية من “وسيط” إلى “مقدم حلول”. توقيع إعلان بكين، والاعتراف بجهود الوساطة القطرية، وذكر المؤتمر الدولي السعودي لـ”حل الدولتين” يشكل خارطة طريق سلام متكاملة.
12. المسؤولية المشتركة لكن المتباينة في قضايا المناخ
يؤكد الإعلان في قضايا المناخ على “المسؤولية المشتركة لكن المتباينة”، مما يشكل تبايناً مع الوضع الحالي لعدم الوفاء بالتزامات التمويل المناخي للدول المتقدمة.
أعلنت الصين في 2024 تقديم 3 مليارات دولار كمساعدات مناخية للدول النامية، تعهدت دول مجلس التعاون الخليجي باستثمار 100 مليار دولار في الطاقة النظيفة بحلول 2030، وإذا تمكنت خطة “شبكة رابطة دول جنوب شرق آسيا الكهربائية” من دمج موارد الدول الثلاث، ستخلق أكبر شبكة طاقة متجددة إقليمية في العالم.
نموذج التعاون جنوب-جنوب هذا من “التكنولوجيا + الأموال + السوق” قد يعيد تشكيل هيكل الحوكمة المناخية العالمية.